نص الكلمة التأبينية التي ألقاها الأستاذ ادوار حنين، باسم مجلس النواب، في رثاء المغفور له دولة الرئيس سامي الصلح.
مضى الذي كان للأنام أباً
          فاليوم كل الأنام قد يتموا
اين الذي كان للورى سنداً
          ورحب أكنافه لها حرم
اين الذي ان سرى الى بلد
          لا ظلم يبقى به ولا ظلم
ايها الحفل الكريم
واحدة من سنديانات لبنان العتاق، وتلك التي ما التوت يوماً، هوت، اليوم، بسلام على نسم الأسود.
ومن لبنان نور، لا أسطع ولا أروع، خبا، اليوم، في رماد الى الأبد.
سامي الصلح لم يعد في مركز الإشعاع الذي شغله منذ ان شب لستين عاماً خلت.
ذلك النور الذي كان في عينه قد انطفأ: عينان لا اعمق صفاء، ولا أبلغ بيناً، ولا أنبل في مشاركة الناس.
ذلك النور الذي كان في عقله قد انطفأ: عقل موصول الإنفتاح على الحديث والأحدث، يعب ولا يرتوي، يحلل ولا يتعب، يحل ولا يتعثر، دائماً في مسالك الحقيقة والحق لا يحيد الا ليتوكأ على قلبه فيعدل.
ذلك النور الذي كان في قوله قد انطفأ، الكلمة على لسانه كانت منزهة عن التضمين والتعجيز والتبريج. لقد أرادها أقرب طريق من العقل الى العقل، فأوجز بها المسافات، وقرب الأبعاد، فأدرك ما لا يدرك من عتو المكابر وعصي الجنان.
سامي الصلح، قاضياً، كان يُسقط الأحكام من حاجة الإنسان الى عطف أخيه الإنسان قبل تلمسها في مصادر القانون، فيقدم العدالة على الحق، والإجتهاد على النص، والرحمة على الإقتصاص، والإصلاح على الإنتقام، والرفق على الصلابة.
وهو، حاكم، كان ينظر الى الناس بقلبه، بقلبه يتعهدهم، بقلبه يفهم مشاكلهم، وبقلبه يجد لهم الحلول.
ان قضى خط بهدم بيت فكأن بيته يُهدم، أو قضى عدل بحرمان فكأنه هو الذي يُحرم، أو قضت موجبات الحكم بتضحية فكأنه هو الضحية.
في الحكم كان ارادة عزم وساعداً يستجيب. لا اختلاط بين مراحل الدرس والوضع والتنفيذ، ولا إحجام ساعة يبدأ حرق المراحل. فلولا سامي الصلح لما كانت شوارع وأبنية وساحات، لما كانت حدائق عامة وأحراج مصنوعة، لما كان تفكير بمنازل شعبية، ونقابات مهنية، وعدالة اجتماعية.
ولولاه لما كان للفقير أب، للضعيف ناصر، وللمعاق معيل.
وكان في الحكم، يمضي في تحمّل المسؤولية حتى تنقض أثقالها عليه فتنهد له أعتاب ولا تلتوي له ركاب.
الشجاعة عند سامي الصلح من أشياء بيته، ومن أشياء رب البيت النزاهة والعفة، والكرم والصمود، والإقدام والأنفة، والشمم والاباء.
سامي الصلح لو لم يكن للبنان لوجب على لبنان أن يخلق، ومن مخاض الأمة جمعاء، سامي صلحه.
سامي الصلح اكثر من طاوعته الجماعات وعصاه الشعب. لقد طاوعته الجماعات حتى لكأنه سيد البلد الأوحد، وعصاه الشعب حتى لكأنه واحد من جلاديه.
لا توازي العزة التي أدركها سامي الصلح سوى النقمة التي عادت فانصبت عليه.
ولا يوازي اعتذار الناقمين عن نقمتهم سوى تمادي المعتزين بعزه.
وها هو الآن، بعد ثمانين عاماً يلتقي على الارض خده فيلتقي وجه ربه القاهر الديان واذا في الميزان ما له من حسنات وما له هفوات، وفي إحدى الكفتين أولئك الذين من أحياء بيروت ومن دساكر الجبل، فرج لهم كربة، كفكف لهم دمعاً، أقالهم من عثار، أحيى أمالاً لهم دفينة، أعاد الى نفوس بهجة الحياة، وجعل رميمهم بشراً سوياً... جميعهم يهتفون بالصوت الواحد الحي في حضرة الديّان العادل ان ارحمه اللهم عدّاد حسناته، وتغمده بأوسع من الرحمة التي وقعنا عليها في رحاب صدره. انك سميع مجيب.
جاءك هذا الحزن مستجدياً
          أجرك في الصبر فلا تجده
سلم الى الله فكل الذي
          ساءك أو سرك من عنده
لا أوحشت دارك من شمسها
          ولا خلا غابك من أسده
ان الذي الوحشة في داره
          تؤنسه الرحمة في لحده