كان المغفور له الأستاذ جوزف سمعان لادوار حنين رفيق حياة. وقد ودعه الإستاذ حنين بالكلمة التالية:
ماذا؟
اغاب وجهك الى الأبد؟!
ألم نعد نلتقي في دروب الحياة؟!
ألم تعد النهارات تجمع بيننا لمشورة أو رأي ولا الليالي تبرد لهب المحاربين؟!
فالثلاثون عاماً التي شهدتترافقنا في الفكر والسعي والحياة تبدو وكأنها أمس الذي عبر؟!
أبناؤنا أفلن تقع عينهم، بعدة اليوم، على الوافد اليهم أيام العيد كما الوافد من السماء وقت الميلاد، يداه مثقلتان بالطيبات والألعاب فيبتهجوا في العيد مرتين: لأنه العيد مرة ولأنك بينهم مرة؟!
والصحاب الصحاب، ان تركتم يتركهم الكثير من مباهج الحياة، لمن تركتهم؟ وعلى عاتق من؟!
أعرف من صحابك من قال: "أنا لا أتصور الحياة ممكنة ان غاب عنا جوزف"، وها أنك تغيب! فأي منقلب ستنقلب حياتنا، بعدك، يا أطيب الرفاق؟!
"وما أنسدت الدنيا علينا لضيقها
ولكن طرفاً لا نراك به أعمى"
انا لن أقول اي لبناني صامد، قوي، قدير، قد خسرنا ولا أقول اي ساحلي مبرور، عطوف، حبيب، قد فقدنا، ولا أقول اي معمار فقدت البلاد يوم فقدت الذي من الرمال لآليء وأثمن... فكان او لمن زرع الدارات على الشطآن، ومد في البحر الأمان، وعقد للناس عيداً دائم التألق طوال أيام الصيف، وبعض أيام الربيع، وغير أزمان!!
ثم اني لن اقول أي أب كنت وأي سيد، وأي مغيث، وأي أخ ورفيق؟!
بل أكتفي بأن أقول نظرتك الى الحياة التي لم يكن جدها ليصرفك عن لهوها، ولا لهوها ليصرفك عن جدها، وانما أقمت بينهما تناغماً عجيباً فريداً جعلك القريب الأقرب الى كل من يجد، والحبيب الأحب الى كل من يحيا.
وقد عرفتك في الحالين، وفي الحالين كنت قيدوم من عمل ومن عاش: فالفراغ الذي رميتني فيه، يا أخي، لعظيم.
غداً ستلتقي الكثرة التي كنا نحب.
أحباؤنا في السماء أوفر عدداً من أحباؤنا على الأرض.
هذه الدار صارت لنا، بعد طول بقاء، دار اغتراب وافتراق، فاغبطك على لقاء الاهل والأصدقاء، جميع اهلنا وأصدقائنا في نعيمهم.
والوديعان يتحرقان شوقاً اليك فها أن يد الله – طوباها وطوباك – تعاجل فتجمعك اليهما. وهي هي اليد التي ستجمعنا جميعاً، غداً، في كفها الجبارة مع الازل والابد، أزلاً وأبداً سويين.
يا أبا ناصيف
اليوم أكثر من كل يوم، أشعر أن أحباءنا الذين تغمدهم الموت يظلون أحياء في صدورنا. واليوم، أكثر من كل يوم، أشعر أن علينا، في طلاب الراحة، أن نميت موتانا في الصدور، أن نقتلهم، بعد موتهم، كل يوم وساعة لنتخلص من تحركهم في حياتنا... ولا سبيل.
ويا ابا ناصيف.
بعد حين، ساعة تلقي خدك على التراب ستزيد تراب لبنان مسكاً، فتكون قد أحببته في حياتك وفي مماتك... وهو سر البقاء.
"ويا رفيق القلب بي خجلة
أن أمنح الدنيا وأن أمنعك"
ويا أخي ناصيف
"كان الاسى فرضاً لو أن الردى
قال لنا افدوه ولم نفده"
ويا مواكبيه الماشين معه الى بيته الأخير فهل يشكر المرءعلى أداء عاطفة تنبع من القلب؟! لقد تراكضنا جميعاً لنلقي نظرة عليه، آخر نظرة.
فلكم مديد الحياة
ولنا البقاء، أبداً، على ذكره