إدوار حنين يكتب عن سان فرنسيسكو
مدينة سان فرنسيسكو تقوم على 29 تلة
السجن فيها يبدو وكأنه دير للرهابين على ربوة في لبنان
ثلاث حكايات: "نقرة آخر الليل" و"الشعب الأسود" و"عمر الخيّام".
بعد هذه الرسالة من سان فرنسيسكو، ستتبعها رسالة لوس انجلوس، وعندها يتوقف الأستاذ غدوار حنين عن متابعة وانطباعات لينصرف إلى إعداد كتابيه عن رحلته الأخيرة كما نوهنا بذلك في عددنا السابق.
وبهذه المناسبة لا بد لنا من الإشارة إلى ما ورد في معرض الحديث الادبي الذي ادلى به الأستاذ أنطوان قازان للزميلة "ألتلغراف" عن أدب الرحلات عند امين الريحاني فقال:
"لا بد من التفاتة أراها في محلها نحو ما كتب مؤخرًا من قبلالأستاذ إدوار حنين في رحلته حول العالم.
لقد اتحفنا بمقالات يشعر من تتبعها أنها قلم غدوار
هو في الحقيقة من أجل الاقلام التي خطت رحلة ووصفت طوافًا
فكلامه على الجزر وعلى شلالات نياغارا ووصفه لتلك الاجواء السحرية كان بالفعل سحرًا مضافًا إلى تلك الجمالات".
كما كتب الدكتور جميل جبر في مقالة لهبعنوان:
الريحاني وأدب الرحلات
قال فيها
"ادب الرحلة فن قائم بذاته وقد رأينا منه مؤخرًا نماذج رائعة في رسائل إدوار حنين".
اخي رشدي،
ها نحن أولاً في سان فرنسيسكو
وقد وصلنا إليها بغمزتين
واحدة من طوكيو إلى هونولولو وقدوقد أكسبتنا نهارًا كاملاً
إذ غادرنا طوكيو نصف ليل السبت الفائت
فوصلنا إلى هونولولو ظهر السبت نفسه
فعشنا السبت مرتين
وثانية من هونولولو إلى هنا ففقدنا معها ثلاث ساعات
إذ غادرنا هونولولو الساعة الرابعة بعد الظهر
فوصلنا إلى هناك حوالي نصف الليل
على أننا لم نطر سوى أربع ساعات وربع الساعة
لقد كان الله وحده يلعب بأعمار الناس
يزيد وينقص فيها
فإذا هذه الجوامد المجنحة تشركه اليوم في اللعب باعمارنا
كان الظلام كئيبًا
وكانت ترتسم من تحتنا نضوة خيل مشعة
غنها سان فرنسيسكو والمدائن المرشوشة على ضفتي الخليج الذي يعرف باسمها
وهي في رأس النضوة إلى اليسار
لقد حلا للأوقيانوس الهادئ ان يستريح
فنطح الأرض بقرنه فاحدث فجوة تسرب منها إلى الدار الاميركية
ثم راح يغط في نوم عميق
وإذا الناس الذين نفروا من حابه يتحلقون حوله قرى ومدائن مزهوة بانها لجمت العملاق وأدخلته في قفص
فلم يعد يخيفهم من العملاق شوائب وهدير
وفي طليعة هذه المدائن سان فرنسيسكو
في عهدة المتطوعات الكبيرات
وكان الصباح
فأبلغنا أن نتهيأ لتطواف في المدينة يبدأ الساعة الواحدة وينتهي مع النهار.
ففي الساعة الواحدة تمامًا حملنا بسيارتين إلى مركز الضيافة الدولي
فاستقبلتنا سيدة جليلة رحبت بنا وحدثتنا بموضوع الرحلة
وإذا بعض دقائق تدعونا سيدة أخرى إلى ركوب السيارات
فكانت قسمتي سيارة تقودها سيدة في حدود الخامسة والخمسين إيطالية الأصل ولدت في سان فرنسيسكو وتحسن غلى الإنكليزية والإيطالية والالمانية اللغة الفرنسية زفرحبت بنا بكلام بالغ الرقة واللطف معتذرة عن تأخرها خمس دقائق ومضت تخترق معنا شوارع المدينة
وقبل أن أصف لك مراحل الرحلة فما هي هذه الحركة؟
مركز الضيافة الدولي حركة تقوم على أكتاف المتطوعات والمتطوعات نسوة من علية القوم تدين انفسهن لخدمة زوارا لمدينة يقدن هن سيارتهن بالغصا ما بلغ العناء من ذلك
ثم يقمن بدور الدليل العالم اللبق النبيل
حيث يتوجب رسم للدخول يتبرعن بدفع الرسم من مالهن
ولا يقبلن دعوة الزائر لأخذ قسط من الراحة على فنجان شاي أو كأس مبردة
حتى انهن لا يقبلن الشكور
إذ يجدن في عملهن هذا واجبًا يقمن على أدائه في احسن وجه وأكمل وجه.
ويبدو أن لكل مدينة اميركية مركزًا مماثلاً بيد انا لم نر مركزًا مثل هذا في المدائن العشر التي تسنى لنا التعرف إليها
ومثل هذه المراكز بدات تقوم حيثما كان من العالم وقد أسفت مضيفتنا بانها لم تقع على مثل هذا المركز في بيروت لدى دورتها الثانية حول العالم في الصيف الفائت
على أن في كراتشي ودلهي وعمان مراكز مماثلة كان لها الفضل بأن عرّفتها إلى تلك المدائن خير تعريف.
حتى انها لم تعرف من بيروت غير الروشة وسبق الخيل
مع انها كانت قد وعدت نفسها ساعة اطلت على بيروت من الجو بانها ستتعرف إلى مدينة حلوة وافرة الجمال,
وجه المدينة أوروبي
سان فرنسيسكو بين المدن الأميركية جميعًا أبعد ما يكون عن اوروبا وأقرب ما يكون إليها.
أبعد ما يكون في المسافة عنها
وأقرب ما يكون في الملامح عليها.