إدوار حنين يكتب عن فينيسيا
ميدان القديس مرقس شلالات من القناطر والحجر الأبيض
حيث الغندولات تاكسيات والبحر يلاعب الإنسان والحمام أليف الناس
نهي إلينا أن دارًا كبرى للطبع تعاقدت مع الأستاذ إدوار حنين لتنشر له، في كتابين، أخبار أسفاره، وانطباعاته في رحلاته، مما يوجب توقفنا عن نشر الرسائل التي تعود قراؤنا أن يطالعوها في نفس هذا المكان.
غير أنه أبى وقد خص قراء "ألجريدة" بهذه الانطباعات إلا أن ننشر على التوالي رسالتين: واحدة من سان فرنسيسكو وثانية من لوس انجلوس، معتذرًا أن يجد نفسه مضطرًا للتوقف عن نشر ما كان أعده لقراء "الجريدة" في موضوع أوروبا.
فالجريدة تتمنى للكتاب الجديد كل ما يستحق من الخير، ونشكر الأستاذ حنين، باسم قرائها وباسمها، على ما أتاح لهم من متعة في هذا المجال.
أخي رشدي،
أكتب إليك من ميدان القديس مرقس، في فينيسيا، بعد أن طوفت في فرنسا وسويسرا وألمانيا.
عسى أن تكون الرسالة الفلورنسية قد أدركتك في حينه.
لو كان ابن بطوطة هو الذي يكتب إليك لكان عاجل القول: مدينة البحار، فينيسيا، إحدى عجائب الدنيا. تسبح في الماء وتحمل أروع ما على الأرض من بناء.
شوارعها انهار، ساحاتها بحار، وشواهقها لمن تجنح وطار",
بيد أن عجائب الدنيا وقد بلغت على ييده وحده العششرات في الزمن الغابر أصبحت اليوم سبعًا في كل مدينة.
وعجائب العصر الحاضر هي غير عجائب "صاحبنا" رحمة الله عليه، إذا صح أنه قال في غوطة دمشق إنها إحدى تلك العجائب.
فينيسيا: 119 جزيرة
قديمًا كانت فينيسيا منقطعة عن الأرض، لا تدرك إلا على ظهور القوارب.
أما اليوم فلقد قطب بينها وبين الأرض طريقان: واحدة للسيارات وثانية للقطر .
طول الواحدة منهما أربعة كيلومترات، جعلنا على جسر مد إليها، عريضًا، على أيام موسوليني.
غير ان طريق السيارات تقف عند أبواب المدينة.
لأنه ليس فيها مكان لطريق تتسع لسيارة مهما صغر حجمها ودق.
وهكذا طريق القطار.
فينيسيا المشهورة في العالم هي المدينة التي تقوم على جزيرة فينيسيا.
ولكن لها، ككل مدينة أخرى، ضاحية تتآلف من جزر عديدة.
ومقاطعة فينيسيا تمتد على 119 جزيرة أكبرها جميعًا: فينيسيا، الليدو، ومورانو.
شكل الجزيرة شكل سمكة عريضة من النوع المعروف في البحر الأحمر.
يحزمها من الميل إلى الميل، في وسطها، قنال، هو "القنال الكبير" تفرع عنه أو تتصل به عشرات القننلات التي تمتد في جسم المدينة كالشرايين في جسم الإنسان ويبلغ عددها 160 قنالاً، ينحدب من فوقها 269 جسرًا من كل شكل وحجم، تربط بين شبكة من الأزقة والزواريب التي تقارب عددها الثلاثة آلاف.
فليس صحيحًا والحالة هذه، أن التجول في المدينة محتوم أن يكون على الزوارق.
وقد اجتزت فينيسيا من الحد إلى الحد مشيًا على الأقدام، متعرجًا مع الزواريب في مختلف احيائها.
حتى وصلت إلى ساحة القديس مرقس قادمًا من الضفة المقابلة لجزيرة مورانو يوم كنت عائدًا منها، بعد أن رأينا كيف ينفخ الزجاج الفينيسي وكيف يشغل باليد.
وقد يكون الذي روج لهذه الشائعة أن قصور الأثرياء تقوم جميعها على القنال الكبير والقنالات الفسيحة الأخرى.
ثم جعلوا أدراجها على الماء لما كان معروفًا على أثرياء فينيسيا من حب الفخفخة والميل إلى الكسل والاسترخاء.
فكان يستحيل أن تقوم الأدراج الانيقة والمداخل الفخمة لجهة الزواريب الضيقة كما كان مستحيلاً أن يركب إليها غير متن الزوارق مركبًا طيعًا سهلاً.