آخر رسالة لإدوار حنين من الصين
شان كاي شك: نحن نعيش معًا مأساة العالم الحر
في الصين شاهدت القاعة المثالية للمجلس النيابي: بين كل خمسة نواب يجب ان تكون إمراة.
إذا أعطيت صينيًا بخشيشًا تسبب له الطرد من البيت.
هذه الرسالة الثالثة والاخيرة التي يرسلها النائب الاستاذ إدوار حنين من الصين الوطنية على أن يتبعها برسالة من الفيليبين.
اخي رشدي
قد تكون هذه آخر رسالة أوجهها إليك من فورموزا لاعود غليك برسالة من الفيليبين إن شاء الله.
كان البرنامج حافلاً بالزيارات والولائم. فلو شئت ان اتحدث إليك في كل واحدة على حدة لضاق بنا الوقت ولعجزت معًا.
ولكن لا بد من الإشارة إلى بعض ما رأيت.
القاعدة البحرية في "تانغنغ" من أروع زياراتنا الزيارة التي قمنا بها للقاعدة البحرية في تسوينغ جنوبي الجزيرة.
في هذه القاعدة بعض الأسطول.
اما هذا البعض فكاف لإثارة إعجاب من لا أسطول لبلاده وقد يكون كافيًا لغثارة إعجاب أصحاب الأساطيل.
كان في استقبالنا أميرال البحر على دارعته التي كان يخفق عليها العلم اللبناني إلى جانب علم الجمهورية الصينية وقد أعد لنا بعد زيارة الدارعة استعراضًا عسكريًا نادر المثيل ترافقه موسيقى البحرية وقد رأينا في هذا الإستعراض من الدربة والمهارة والحدق ما يدهش حقًا وخاصة في حقل الرماية.
كان يطلق جندي النار من بندقيته على بيضة فيصيبها في يد رفيقه.
وكان يطلق عشرات الجنود الرصاص من بنادقهم حينًا ومن مسدساتهم احيانًا على عشرات الأهداف فلا يخطئ واحد منهم هدفه مرة واحدة.
أما تنويع الأهداف فحدث عنه ولا حرج.
ومنها ما هو متناه في الدقة وصعوبة المنال.
ثم اولم لنا الاميرال وليمة دعا إليها كبار ضباط الأسطول.
كان علي أن ألقي كلمة الوفد فيها. فجاء فيما قلت:
"بما نحن نرث أجدادصا كانوا قد أهدوا العالم الملاحة ودلوا على نجمة القطب يهتدي بهديها الملاحون نجد انفسنا شركاء في كل أسطول تحت هذه السماء.
أما نصيبنا في الشركة فالدعاء لهذه الأساطيل بالسلامة خاصة متى كانت تعمل لخدمة قضية حق كما هي حال أسطولكم اليومز وبما نحن أحفاد جدود ثاروا لحريتهم ثلاث مرات في تاريخهم الحديث نجد انفسنا رفاق سلاح لجنود الحرية من أي بلد كان.
ونجد أنفسنا اليوم رفاقكم انتم الذي تشغلون المركز الاول من مراكز الطليعة في خط النار.
إننا قادمون من كيموي فإذا هي اول قلعة لحماية العالم الحر وإذا المدافعون عنها جنودكم جنود الطليعة في العالم الحر.
وها إنا نقف أمام أسطولكم حيال القلعة العوامة التي تتعهدون ويتعهدها شعبكم الباسل ليسد بها مسالك العدو ويدفع عن العالم الحر شره.
إننا نقدر مسؤوليتكم حيال الإنسانية والتاريخ. لذلك فقد كانت بلادنا معكم وستبقى".
مطارات وأسراب طيارات
في فورموزا مطارات حربية كثيرة أما أكبرها جميعًا فمطار كيتشونغ في اواسط الجزيرة الذي مساحة أرضه 64 كلم مربعًا فيه لكل ريح جناج. طول الواحد منها ثلاثة كيلومترات ونصف المتر.
في هذا المطار مرآب من احدث طراز كهيئة لصنع بعض قطع التغيير ولإصلاح كل خلل.
وفيه مدارس تدريب للطيارين الناشئين وأنواع منوعة من الطيارات الحديثة التي بعضها ينطلق بسرعة ألفي كلمتر ونيف في الساعة أي بسرعة الصوت مرتين والتي بعضها يعلو على 22 ألف قدم.
وقد صار التدريب فيه بحيث سرب من الطائرات الخفيفة يتحضر ملاحوها ويحضرونها وينطلقون في حالة الطوارئ لمدة تتراوح بين ثلاث دقائق وخمس وقد جرت مناورة امامنا اعتمدت فيها هذه الطائرات الخفيفة وكان الآمر بالانطلاق رئيس الوفد الذي سره أن اربع طائرات لبت نداءه في الانطلاق بعد ثلاث دقائق وأربعين ثانية.
بحيرة تايبي
ليس بعيدًا عن القاعدة البحرية وفي اطراف المدينة الشرقية بحيرة تحتضنها التلال والاحراج ومروج الزهور المنورة.
هنا تستدير،
هنا تستطيل
وهنا تتشابك مع اليابسة في عناق الأحباب.
وفي الحدائق المحيطة والطرقات الممتدة فيها الكثير من رائحة غابة بولونيا في باريس ولكن ليس فيها تهافت الناس عليها ولا فيها شيء من الحياة والصخب وكافة المشاهد التي تتجلى لنا في كل زاوية من زوايا الغابة الباريسية وبحيراتها الصغيرة.
الحق أننا لم نقبل عليها في الوقت المناسب غير أن في جوار البحيرة بلدة من صغار المدائن نعجز عن ان نعطي البحيرة ما تستحق من تهافت الناس وتدافعهم إليها.
في قلب البحيرة أبراج صينية،
على ضفافها دارات حلوة تدخل فيها زوارق شراعية،
تطوقها من الحد إلى الحد طريق بين أحواض الزهور
إنها جنة ناس لم تقع عيننا عليهم لسوء حظ الناس.
مجلس ريفي
كان من بنود البرنامج الرسمي زيارة المجلس الإقليمي للمدينة ووفونغ وهي مدينة جنوبية حلوة قابعة في سهل خصيب.
في المؤخرة حديقة كبرى تشقها طريق غرست على ضفتيها الأزهار والشتول ورفعت من فوقها القناديل بناء من طابقين حديث أنيق.
في هذا البناء قاعة المجلس الإقليمي تحيط بها غرف اللجان ومكاتب الرئيس والأمين العام والموظفين.
كل شعب على الأرض يتمنى لو يكون لممثليه قاعة مثل هذه القاعة.
قاعة مستديرة
في الأرض مقاعد النواب وعددهم 73 نائبًا.
عن شمال النواب مقاعد للصحفيين تعلو مقاعد النواب.
أمام النواب مقاعد الكتبة والموظفين.
وراءهم منبر الخطابة مجهز بمكبر للصوت ومن وراء المنبر منصة الرئاسة.
إلى جانب الكتاب آلة تسجيل تسجل بالكتابة لا بضبط الصوت.
امام كل نائب آلة بواسطتها يشعر بوصوله بصوت ويطلب الكلام.
روعيت في القاعة جميع وسائل الراحة وضبط الصوت.
أما مطرقة الرئاسة فمن خشب الفيليبين وهدية منهم.
بترول وألومنيوم
وزرنا في الكثير الذي زرناه مصفاة البترول في كاوتشيونغ وهي تسد حاجة البلاد كاملة.
أما بترولها الخام فهو من البلاد العربية (السعودية والعراق والكويت)
تتولى نقله ناقلات البترول الصينية.
الفنيون واليد العاملة في هذه المصفاة جميعهم صينيون.
وأما معامل الالمنيوم فهي نادرة المثيل ضخامة وحداثة ووفرة إنتاج.
تعطي عملاً لثلاثة آلاف عامل
وتكفي البلاد وتصدر ثلاثة أرباع إنتاجها.
تتلقى المادة الاولية من داخل البلاد
تدخلها في أفرانها
ثم يتوالى العمل عليها حتى تخرج منها الجسور والقساطل والأبواب والشبابيك والأعمدة والصفائح على مختلف سمكهل من حد ورق الشوكولا إلى حد ظهور الجسور.
ثلاثة آلاف عامل لا كلمة ولا بصقة في الأرض.
مشاهدات وانطباعات
الحفلات الرسمية كانت أكثر ما شغل وقتنا ظهرًا ومساء
وكان الكلام أكثر ما استهلك من المواد
دعواتهم تسع لأشخاص معدودين
اكبر عزائمهم لم تتسع لأكثر من ثلاثين شخصًا
إنها عوائدهم
يقدمون مع الطعام البيرة ومعصورًا كحوليًا من الأرز يشبه الكونياك قليلاً وأقل حدة منه.
في مكان الشوك والسكاكين القضيبات يستعملها الصينيون بحدق فائق.
من إشفاقهم علينا يامرون لنا بالشوك والسكاكين.
اما ملاعقهم – وهو شعب يكثر من أكل المرق (الشوربة) – فمن عادة الصحون الصينية.
الداعي إلى الوليمة يشرب أنخاب مدعويه واحدًا واحدًا ابتداء بمن صارت الدعوة تشريفًا له.
يرفع كأسه بيمينه
يسمع صاحب النخب
يشرب ثم يرفه رأسه من جديد
يخفض رأسه قليلاً
ويعيد الكأس إلى مكانها
وعندما يريد ان يبالغ في الغكرام يلامس الكأس بأصابع يده اليسرى ويشرب كأن الكأس محمولة باليدين
ومبالغة أخيرة بالإكرام يفرغ الشارب كأسه دفعة واحدة.
لا قرى في الجبال،
لا منازل صيفية
ولا دارات للموسورين
على أن الجبال عندهم جميلة مشجرة خضراء
وهواءه بالنسبة عليل بارد.
إنهم لا يعرفون الاصطياف في الجبال على نحو ما نعرف نحن في جبالنا.
يقال إنهم ينوون إنشاء وسط للاصطياف في جوار السد العالي الذي سبق الكلام عليه.
ترتفع الجبال هناك إلى حد 1200 متر، رفعة صوفر في لبنان
أما أعلى قمة في جبالهم فتزيد على رفعة ظهر القضيب
إنها تتجاوز الثلاثة آلاف متر
البلاد في حالة حرب
يستشعر الغريب ذلك من خفوت الحياة الليلية
من انصراف المسؤولين عن تعزيز المسارح والمتاحف وما إليها
ناهيك عن ان الجيوش جميعها في الخدمة الفعلية
ومن أن الاعمال الكبرى تقوم على التحصينات إلا أقلها.
أما الجند فلا ظهور له في المدائن بين الناس
يبدو على الشعب الصيني على الرغم من ذلك انه شعب سعيد
أنه شعب آمن هادئ منتظم رتيب
فهو إن لم يكن سعيدًا فقابل بما هو عليه، قانع راض.
التقينا صبيًا في نحو الثامنة من عمره
كان يحمل حمله في الميزان التقليدي،
رأينا أن نعطيه شيئًا من النقود
فرفض
ألححنا
ألح في الرفض ثم هرب.
في المساء التقينا مطران كيوان في إحدى الحفلات الرسمية، فقصصنا عليه قصتنا مع الصبي فقال:
"كل الشعب الصيني هكذا. فلو قبل وعرف ذووه لطردوه من المنزل بدون شفقة".
ذكرت على رؤيتي خذا الصبي جيشًا من الصبية هاجمونا في أصوان يريدون البخشيشات وبعض الصبية في بعض أحياء المدينة في لبنان.
الجميلات الصينيات جميلات حقًا.
وقد لا يبدين هكذا لاول وهلة نظرًا لاختلاف المقاييس.
بيد انه كلما أمعنت فيهن تطلعًا كلما زدن قيمة لديك.
في فورموزا مسيحيون ومحمديون
أما المسيحيون فمن جميع الطوائف: لاتين وبروتستانت وأورثذكس.
وقد قال لنا مطران اللاتين أن لطائفته في فورموزا خمسمائة كاهن.
اما المسلمون فسنيون ولهم جامع كبير في العاصمة.
المجالس المنتخبة ثلاثة:
مجلس التشريع، مجلس المراقبة، مجلس الأمة.
أعضاؤها منتخبون قبل الجلاء عن الأرض التي احتلها الشيوعيونز
لا يعيدون الانتخاب ليحافظوا على الشرعية.
إذا شغر مقعد أحد الاعضاء بالوفاة، يبقى مقعده شاغرًا.
رئيس مجلس المراقبة شيخ جليل عمره 83 سنة
اديب وشاعر كبير في الديار الصينية.
بين كل خمسة أعضاء في المجالس الثلاثة يجب ان تكون إمراة،
فيكون عدد النساء النائبات بنسبة خمس من مجموع اعضاء المجلس.
سألت في إحدى الولائم رئيس المجلس التشريعي عما هل صحت التجربة فأجاب:
"إن النساء يقمن بأعمالهن خير قيام. لديهن من الجدية والقدرة على العمل فوق ما يطيق الرجال."
وكانت إحدى النائبات في جانبي فسألتها إذا كانت مسرورة عن نيابتها فأجابت:
إنها كل شيء في حياتها بعد عائلتها وبيتها.
قلت: المرأة في لبنان لا تنتخب المراة.
قالت: علموها أن تفعل. وإن لم تفعل انتخبوها أنتم فلا تندمون على ذلك.
الدستور الصيني يكرس مبدأ انفصال السلطات ولكنها خمس.
كل واحد من المجالس الثلاثة يمثل سلطة دستورية.
ثم تجيء السلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
قلت لرئيس مجلس المراقبة: ألا تتشابك الصلاحيات بسبب هذا التوزيع الكثير.
قال: "إن الصلاحيات محددة جلية في الدستور فيستحيل أن تتشابك".
قلت: "جميع الدساتير تفصل بين السلطات الثلاث وتحدد صلاحياتها ومع ذلك التشابك يحدث. فعندما يحدث ذلك فمن الحكم الفصل في قضية الصلاحية.
قال: "إن هذا لم يحدث عندنا بعد ولم نر إلى الآن أن مجلسًا تجاوز على حدود غيره.
مقابلة الرئيس تشان كاي شك
منذ أن وصلنا إلى فورموزا ووزه علينا منهاج الزيارة، لم نجد ان مقابلة الرئيس تشان كاي شك قد لحظت فيه. وإنما كان قد لحظ فراغ مساء يوم السبت 24 حزيران ولم يشأ واحد من المرافقين أن يقول كيف سيملأ هذا الفراغ.
وفيما كنا نتجول ظهر يوم السبت في انحاء مطار التشيونغ الحربي، بدأ همس يقول: "يجب ان نسرع لأن فخامة الرئيس قد عين الساعة الخامسة والنصف لمقابلتنا".
فاختصرنا التطواف في المطار كما اختصرنا زيارتنا لمحافظة ويفونغ لمجلسها الإقليمي، لرئيس هذا المجلس الملحوظة في البرنامج الرسمي.
واستعجلنا عودتنا إلى تايبي فحطت بنا الطائرة على أرضها في الساعة الرابعة والنصف.
فلم يبق أمامنا سوى ساعة واحدة لنستحم ونلبس وننطلق في السيارات إلى مكان المقابلة في دارة الرئيس الخاصة.
القصر : طريقه ، مكانه، وصولنا إليه
في غرب المدينة رابية خضراء هي أقرب ما تكون إلى "اليرزة" على مشارف بعبدا، على خضرة أكثر كثافة وعلى تنوع في الأشجاء كثير.
تتعرج على السفح طريق تتجه صعدًا بعد ان تفارق النهر.
النهر نفسه الذي يغسل أقدام الفندق الكبير ويتقصف دلالاً امامه وتحف في طريق القصر بيوت ومقاه وحوانيت.
طريق لا تختلف عن كل طريق إلا بكثرة الطارقين فيها.
لا مخافر ولا دوريات ولا من يزعج روادها بالسؤال.
بل إن المتنزهين عليها مشاة وراكبين أوفر عددًا من الساعين في غيرها من الطرقات التي سلكنا.
والذين يأنسون إلى خلوة يقصدون على الغالب إليها.
فلقد ذكرت طرقات الأحراج في متننا العالي ساعة وقعت العين على من وقعت عليه في منعطفاتها.
بعد ثلاثين دقيقة مشية السيارة المعتدلة، أطللنا على دارة حلوة في حنية من حنايا السفح فرحنا نهبط إليها وإذا نحن في اجمة الأسد.
فسحة دار صغيرة تكاد لا تتسع لاكثر من خمس سيارات،
ثلاث درجات وقنطرة ورواق
ثم باب ينفتح على بهو كبير في منتهى البساطة.
فدعانا رئيس التشريفات كلاً باسمه لنجلس حول مقعد في زاوية البهو العليا وهو مقعد الرئيس.
إنه لا يجب مركز الصدارة.
وفيما كانت تدار علينا السجائر، تقدم رئيس التشريفات ليقول لنا من أين يدخل الرئيس وفي أي مكان يجب ان نقف للمصافحة، وكيف يجب ان نعود إلى الأماكن المعينة لكل واحد منا.
ثم اعتذر عن السيدة تشان كاي شك التي تقعدها وعكة عن مقابلتنا.
إطلالة الرئيس
فما أن وزعت علينا التعليمات حتى أطل من الباب الذي كنا قد أرشدنا إليه رجل في حدود السبعين من عمره فوق الربعة بقليل، حليق ناعم البنية، رقيق العود، لا حنية فيه، ولا تدلق، صافي البشرة، رائق العينين، وسيم الطلعة، بشوش بل كثير البشاشة، حلو البسمة، تنفرج شفتاه عن أسنان عاجية رتيبة من وراء شاربين شالبين مخططين تخطيطًا رفيعًا يعلوهما أنف فيه من الصين وأثينا. يساند جبهة عريضة مد بها العمر حتى قمة الرأس المستدير على اعتدال واتزان فائقين.
أما ذقنه فعريضة صلبة دون أن تفسد خطوط ذلك الرأس الناعن.
يخطو خطوة الأحبار في المناسبات الشريفة دون أن يثقل وطأه على الأرض.
يتمهل ولا يبطئ،
ثم يجلس ولا يستلقي.
من ردائه الأسمر تطل يدان جميلتان زانهما الله باصابع لا أنعم ولا أدق، يلقيهما تارة على زندي المقعد وتارة على ركبتيه وأحيانًا يعمد إلى التأشير بهما.
صوت هادئ ساخن متناغم النبرات وقور، يطلق الكلمة كما يطلق الينبوع مياهه.
لا عناء ولا حدة ولا زحمة ولا تنافر
ويتكلم كما لو كان يقرأ في كتاب.
صفاء، صفاء كعين الديك.
كان كل ما يقول قد قيل على لسانه آلافًا،
وكأن خبرة العمر بين يديه حاضرة
وكأن الحكمة مختبئة وراء لسانه
ما إن يتحرك حتى تجري مع الكلمة ضيعة سديدة
يتحدث لا ليدهش وإنما ليسمر حقيقة في أذهان السامعين.
وهو إذ يتحدث لا يخشى على قوله ألا يعلق بالأذهان،
مطمئن إلى نفسه
مطمئن إلى أفكاره وآرائه
مطمئن إلى طريقته في التعبير
ومطمئن إلى ان ما يقول أيًا كان السامع مدرك عقله وقلبه معًا
وهو ما صح فينا على كل حال.
"لقد جربت بلادكم كما جربت بلادنا فظفرتم وإنا بإذ الله لظافرون.
"نعيش اليوم مأساة ولكنها مأساة العالم الحر أجمع. إننا ندرك مسؤوليتنا في الخط الأمامي من معركة الحرية والديمقراطية وتدركون معنا هذه المسؤولية وهو ما أملى على بلادكم وقوفها بجانب الحق معنا وما يملي عليكم تجشم الأسفار والأتعاب لزيارة بلادنا.
أهلاً بكم وكلاء شعب مناضل باسم، قدمتم لتحية شعب مناضل باسل.
وظل مندفعًا بمثل هذا الضخ الرصين الهادئ العميق حتى أتى على ذكر اللبنانيين ووحدتهم الوطنية وتحية رئيسهم أحسن تحية وعلى تظهير الصراع القائم في العالم بين جبهتين يجب ألا يتهادنا.
ثم على إعلان العزم العنيد على متابعة الصراع حتى ينتهي بانتصار الحق وإزهاق الباطل.
البطل عند تجلي البطولة يكون من أروع المتواضعين،
وهكذا هو الجنرال شان كاي شك:
لا حدة ولا جفوة ولا انفعال،
وإنما هو الدفق السخي وهو الينبوع الذي يعطي ويستمر في العطاء،
لا منة ولا أجر، ولا تشاوف،
سبحانه الله كيف تتراءى له الظلال في نفوس مختاريه.
أشياء بروتوكولية
وما أن ألقى الزميل حبيب مطران كلمة الوفد ورد عليه الرئيس وكلنا وقوف من حول الرئيس الجليل الذي أبى إلا أن يقف على الرغم من إلحاحنا عليه بالجلوس حتى أديرت علينا المرطبات:
كأس شاي مثلج جعلت فيه قطعة ليمون من الحامض
قطعة حلوى صينية
فطيرة لحم ساخن
وجبنة في لباب من الخبز
ثم استزدنا مرارًا
في أثناء ذلك قدمت لفخامته الهدية التي وجهها بواسطتنا إليه فخامة الرئيس شهاب وهو علبة ذهبية مرصعة بالزمرد والفيروز صنع بلادنا، وقدمت بعدها هدية الوفد "طقم صوفرة " من الصناعة اللبنانية في جزين فأطرى فخامته بالكلام المؤثر الهادين والهدية معًا.
أشياء فوق العادة
لم يشأ فخامة الرئيس الصيني أن يلزم نفسه ويلزمنا على الأشياء البروتوكولية
بل تعداها إلى أشياء قيل لنا أنها فوق العادة
لقد مد وقت المقابلة حتى كاد يبلغ الساعة كاملة على الرغم من أن رئيس التشريفات جاء يلفت نظر فخامته إلى المقابلات الباقية مرتين متتاليتين فكان يأمر بإدخال أصحابا لمواعيد فيجلسون في الركن المقابل.
لقد تلطف ورغب في أن تؤخذ صور للوفد معه
ثم تلطف أن يصير ذلك على مدخل القصر في الدار الخارجية
فمشى ومشينال وراءه إلى حيث دعا المصورين ان يلتقطوا له الصور ونحن نحيط به
وتلطف أخيرًا ودعا رئيس وفدنا تؤخذ لهما بالانفراد
وفي غمرة الكلام المؤثر الطيب سار السلام على كل واحد منا في دهشة الحاضرين جميعًا وانصرفنا شاكرين.