إدوار حنين يكتب عن براغ وضواحيها
قصر كونوبيتشه
أبراج وحدائق ومعارض وغرائب في قصر فرنسوا فرديناند
قصر شارل الرابع في كارلستين كقصر الملك المجنون في بافاريا
كنيسة القديسة كاترين التي كانت محبسة الإمبراطور شارل الرابع
الحلقة الثالثة والاخيرة من الانطباعات التي كتبها الأستاذ إدوار حنين عن المدينة المذهبة براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا وفيها جولة على قصور هذه المدينة التي قيل إنها أم الحلاوات:
براغ مدينة وضاحية.
لا تقف براغ عند أسوارها على فرض أن للمدينة الحديثة أسوارصا بل هي تتمادى من وراء حدودها زأماكنها الشعبية، في القرى المجاورة وكلها جميلة، هادئة، ناشطة، بتعاشق مع الحرج والسهل سوار ارتفع هذا او ذاك ام انخفضا.
الزراعة سيدة في هذه القرى والصناعة تستفيق.
ولقد رأيت أن أقضي يومًا في الضاحية، وفي امتدادات الضاحية. فوفقت إلى معاينة قصرين جميلين ومحطة اصطياف سأوالي الكلام عليها بإيجاز.
في الطريق إلى قصر كونوبيتشيه
على خمسة وأربعين كيلومترًا جنوبي براغ وليس بعيدًا عن الطريق الدولية رقم 3، قصر كونوبيتشيه الذي بعد أن أنشئ في القرن السادس عشر استقر في يد الأمير فرنسوا – فرديناند داستي، ولي عهد النمسا، الذي اغتيل مع زوجته في ساراييفو قبيل الحرب العالمية الأولى.
من الطريق العام
على خمسة كيلومترات من الطريق العام تبدو عن يمين الطريق، أبراج القصر. أبراج دقيقة، عالية، بطريشها القرميد الاحمر، وتقلل عبوسها شبابيك خضراء. إنها أبراج قصر كونوبيتشيه.
في الطريق الفرعية
تفترق عن الطريق العام طريق فرعية فتسلك في الاحراج والغابات من الميلين غابات تشيكوسلوفاكيا كلها متماثلة. الارض تكاد تكون واحدة في غابة الإمبراطور مارينسكي مثلاً وفي كل مكان آخر، بركانية سوداء تميل أحيانًا إلى حديدية حمراء، إن لم تكن دلغانية. والغابات تكاد تكون من شجر واحد. وهو الذي يؤمن اكثر ما يكون إنتاج الخشب المعروف باسم الخشب التشيكوسلوفاكي.
بعد خمسة كيلومترات في هذه الأحراج التي تكثر فيها العصافير والطيور وتكثر زغردتها، نصل إلى مفرق ونقف عنده. لا ساحة ولا مقهى عند منتهى الطريق. نترجل، نمشي ما لا يقل عن الكيلومتر الواحد. وما إن نأخذ طريق القصر المباشر حتى تطلع علينا بين الأشجار والأدغال بحيرة لا أصفى ولا أروق ولا أجمل. كانها حسناء في قيلولة من الخمائل. تغفو ولا حس، إن من موج او زوارق او مستحمين. ليس غير عصفور يعكر هدوءها كأنها هنا لتغسل أقدام القصر او يغسل الناظر إليها نظره.
تحيط بالبحيرة تلال أشبه ما يكون بالجبال العالية المحيطة ببحيرة استريز في إيطاليا.
في حرم القصر
بعد صعود البحيرة إلى ناحية القصر نصل إلى مكان ضيق لا يصح أن يطون ساحة لبيت. وكأن المشرفين على القصر قد أدركوا ذلك فتولوا إنشاء ساحة مكانه ولكن على حساب شجرة ألفية، غمر خمسة أشخاص، قُطعت وبدأ العمال بنشر جذعها فاتوا على نصفه وبقي النصف الآخر يشهد على عظمة الدوحة وقوة الإنسان. وراء الجزع الكئيب تمثال من البرونز على قاعدة حجرية وهو يمثل صيادًا يمسك بكلبي صيد نفحت صدريهما رائحة الصيد.
من الجهة الخلفية الخنادق المعروفة المحيطة بكل قصر ثم ما يشبه البركة يعيش فيها دبان أسودان. (لعلهما من سليلة الدببة الذين سلموا من رصاص الأمير.)
لنمو الدبين احدثت في قلب البركة إنشاءات يتمكن معها الدبان من التزحلق والاغتسال. الدبان – على أنهما دبان – وقفا، معًا على رجليهما يحييان المتفرجين (ورفع اليدين وهز الرأس) الذين صفقوا لهما الكثير وانهالوا عليهما بالمأكولات.
كان قد سبقنا إلى القصر متفرجون.
فكان علينا ان ننتظر فاكتفينا بأن تنزهنا حولة وتفرسنا فيه من الخارج.
حدائق القصر ثلاث واحدة ذات "بانيون" وواحدة ذات تماثيل وواحدة ذات أزهار. أما حديقة البانيون فهي تشرف ، من الجنوب على البحيرة وعلى مداخل القصر وأما حديقة التماثيل فهي في الشرق تشرف على الغابة. تبقى حجيقة الازرار التي تقبل اقدام القصر ولا تبرح أخماصها وكلها محاطة بأفاريز علو المتن الواحد او أقل.
غير ان التماثيل نصف لتماثيل قديمة ويونانية ورومانية على الغالب. جبلت من الكلس ولم تنقش بالحجر.
حديقة التماثيل يحرسها أسدان في حالة تاهب. وراء هذه الحدائق الثلا حديقة بريطانية عظمى لا ترى لها حدود.
القصر تحفة هندسية فنية.
وككل تحفة فنية لا تتميز بالكبر .
وبرجه الشاهق في الوسط وهو مستدير. في الأطراف برجان مربعان. كلها يعلوها الفرميد الأحمر ويبقى عبوسها الشبابي.
معظم القصر في أربع طبقات. موظف حديثُا سبابيكه قديمة وجديدة الدهان.
كان الخريف قد بدأ يطلق قد بدأ يتجه صفارًأ، في أوراق الأشجار. وكان الشحرور يطلق عناءه مرتاحًا والعصافير تزقزق، وكانت حسناء إسبانية (بين السياح) تصفي على المكان حياة ومرحًا.
أشياء عن القصر:
كانت في المكان نواة لقصر. ثم كان قصر. بدأت النواة في القرن الرابع عشر. وتكون القصر في السادس عشر. وأخذ ينتقل من يد إلى يد. فمن الملكية الفردية حتى بيع في اوائل القرن العشرين للأمير فرنسوا فرديناند الذي أعطاه شكله الأخير من حيث البناء والأثاث.
ومنذ السنة 1921 أصبح القصر ملكًا للدولة التشيكية. وابتداء من ذلك التاريخ فتح للجمهور. ومما يجب ان يعرف أن إمبراطور ألمانيا، غليوم الثاني كان قد زار صاحب القصر في قصره وقضى ليلة فيه.
القصر من الداخل.
يبدو القصر وكأن سكانه فيه. على أنه قد نظم كمتحف، يصعب الظن أن الحياة قد فارقته أو بعدت عنه. كل شيء قائم فيه كأنه ينتظر الساعة تأزن ليعمل.
في القصر حلاوات كثيرة. ولكن أبرز ما فيه العرض الهائل الذي للطرائد المصطادة. ثم العرض الهائل الآخر لجميع أنواع الأسلحة.
على جدران المماشي، كل المماشي، وفي القاعات، معظم القاعات، طيور. وحيوانات مصبرة.
أما الطيور فمن الخطف والشحرور والقنبرة حتى العقاب والنسر مرورًا بدجاج الأرض والبط. وأما الحيوانات فمن القرقدون والغزلان والثعالب إلى الاسود والنمورة والدببة مرورًا بالقر الوحشية والحمار الوحشي.
وأكثر ما يكثر في الممرات والقاعات العرض قرون الغزلان حيثما كان قرون، قرون حيثما كان – اللهم: قرنان ويتعب بهما الإنسان طوال العمر فكيف بمئات الألوف.
في سقوف الممرات والقاعات رياش لطيور مصطادة وتحت كل طير أو حيوان مصبر تاريخ. وهو تاريخ وقوع القتيل في يد القاتل.
تقول المناشير ويقول الأدلة: في القصر أثر لثلاثمئة ألف طريدة من كل نوع والله اعلم.
أما الأسلحة ففي الممرات والقاعات وقد أفرغت لبعضها قاعة كبرى عرض فيها كل شيء تجد في القصر من حد المدية والحربة والسيف إلى حد المدفع مرورًا بجميع البنادق الحربية والتي للصيد، التي كأنها معروفة في أوروبا في ذلك الزمن أنها تعد بالآلاف. إلى جانب ذلك دروع، دروع واقية للصدر، لمجمل الجسد، للمشاة، للخيالين، ودروع للأحصنة على مختلف الاحجام والزخرفة ومن مختلف الدول المنتجة.
وأغرب ما في الامر ان قبالة الطرائد المعروضة، من طير وحيوان، وقبالة المدافع والسيوف والبنادق صور وتماثيل لقديسين فكأنهم هنا، لحراسة وسائل القتل الشهود على فعاليتها.
إنه قصر لا يمحى من الذاكرة لاثنتين: مسألة الصيد ومسألة الأسلحة. وكا ما عدا ذلك فمن الممكن مشاهدته في أي مكان آخر.
ولنتابع، بالرواية، طريقنا في القصر، متوقفين عند ما لم يأت له وصف بعد:
بدأنا تطوافنا من ممشى على يسار المداخل. يفضي هذا الممر إلى غرف أربع محشوة بالمخطوطات النادرة والشخصية. إلى صلبان وتصاوير. وصور عائلية، وأدوات زينة وصور صيد. وقد شغلت مكانًا كبيرًا من هذه الغرف صور مقتل الأمير، والتحقيق والمحاكمة وفي زوايا أخرى صور عن الاحتفالات التي كان قد حضرها في صربيا.
في الطابق الاعلى، فوق الممر، غرفة الطعام وكأنها تتهيأ للغداء. الجوت والصحون والفناجين تنتظر والكراسي حول الطاولة تنتظر هي أيضًا من يشغلها.
بعدها غرفة النوم وغرفة المكتب وقاعة الاستقبال، وقاعات الضيوف. وكلها بفرشها الكامل، وغنية بما حشد فيها من حلاوات أهمها الكريستال واللوحات.
ولم يغفل صاحب القصر على أن يكون له كابيلة، فأنشاها صغيرة، مع بنوك قوتية، وفي مؤخرة الكنيسة مكان للموسيقيين.
أما القطع الفنية التي ، على ما قيل، كانت تزخر بها الكنيسة فقد نقلت جميعها إلى المتحف الوطني في براغ.
ولم يهمل صاحب السيف القلم فأنشأ مكتبة جعل فيها من المجلدات مقدار ما كان يهتم بالقراءة ثلاثة آلاف مجلد تدور كلها على الجندية والقانون خاصة. لا تزال المكتبة سالمة في جميع احوالها إلا ان صورة زيتية كبيرة لزوجة الأمير تشغل زاوية منها، وتشغل الركن الثاني صورة زيتية له ولقرينته معًا.
وفي جانب المكتبة مكان للاستراحة والتدخين. فيه كان يقرأ القراء، يتحدث المتحدثون، يسمر السمار ويستقبل الضيوف.
بعد الطرائد والاسلحة أغلب ما يغلب المدافئ. مدافئ من كل حجم ولون في كل غرفة وكل ممشى وحتى في الكنيسة وإنها من الشكل المتعالي ومن الخزف الممتاز.
وقد جعل بين الطوابق مصعد.(رأينا مثله في البنسيون الذي نزلنا به ليلة في فينا).
من هنا يبدو أن الشيوعية لم تخرب ما انتقل إلى يدها من قصور وأثاث ومجوهرات وتحف. ولو انها فعلت ما فعلته الثورة الفرنسية لتلفت حلاوات كثيرة لا تستفيد منها تشيكوسلوفاكيا فحسب بل العالم اجمع.
زيفرهست
كان قد أقبل الظهر، وكان علينا أن نجتاز خمسين كيلومترًا لنلقم جوعنا لقمة فاخترناها، في طرق رئيسية، نطوي، بأرض سهلة، بين الحقول والقرى المرفوفة على العشب الأخضر كالمرجان على بساط الانهر، في هذا القطاع من الضاحية، قليلة، والسيارات في الطرقات قليلة، ومثلها الناس، فأين يختبئون إن لم يكن في أعمالهم!؟
بعد هذا المطاف وصلنا إلى بحيرة زينوهست، لعلها أكبر بحيرة في تشيكوسلوفاكيا. إنها على كل حال أكبر ما راينا من بحيرات فيها.
طلعت علينا من الجانب المنخفض الذي يتابع سباقه نحوها حتى يتولاه القمر.
على هذا الجانب فندق "سبور اتوتيل" (حيث تناولنا طعام الغداء) المؤلف من ثلاث طبقات (المطعم في الثانية).
سبور اوتيل فندق شعبي جميل.
لا زخارف في الداخل ولا تبرج في الخارج.
تراعى فيه النظافة وطيب الإقامة. سقفه قرميد أحمر وشبابيكه خضر.اء. يفترش أرضًا سهلة تحيط به شاليهات بحجم الدارات الصغيرة. حوله شاليهات أصغر. بعضها يصل إلى شاطئ البحيرة وبعضها قد أقيم في زوارق قديمة.
لم يكن في الشاليهات ناس. ولا على الشاطئ. باستثناء ثلاثة ازواج جاؤوا على دراجات.
ولم يكن في الفندق ناس.
تناولنا الغداء وحدنا.
في وسط غرفة الطعام طاولتان كبيرتان (مؤلفتان من مجموع طاولات صغيرة) يجلس إلى كل واحدة منها سبعة أو ثمانية أشخاص. إنهم يتداولون الرأي، لعل هذا مؤتمر او حلقة دراسية ما، تناولوا الطعام الساعة الواحدة والنصف في غرفة منفردة ملحقة بقاعة الطعام الكبرى حول طاولات يخفق عليها علم البلاد.
بين الفندق والشاليهات والبحيرة حدائق عشب وأزهار وأشجار قليلة في البقعة الباقية من الأحراج التي قطعت ليقعد المسروع في مكانها.
تحيط بالبحيرة التلال. ومن الجهة الشرقية تلال جرداء تشمخ عليها،
من أين هذه التلال الجرداء، كيف لا تنبت أشجار؟ أو كيف قطعت؟
الأرض بركانية سوداء
وقد انتقلنا من زينوهست حوالي الساعة الرابعة إلى كارلستين.
كارلستين
في 10 حزيران 13348 حضر أسقف براغ صديق ومستشار الإمبراطور شارل الرابع ممثلاً الإمبراطور تدشين بناء قصر كارلستين الذي تسمى باسم الإمبراطور تخليدًا لذكراه.
كان هذا القصر حلقة من سلسلة كبرى توخى منها شارل الرابع ترسيخ مكانة بوهيميا في الإمبراطورية الرومانية آنذاك. ومن هذه السلسلة براغ الحديثة وجامعة براغ وبعض كنائسعا وأبراجها وجسورها وكلها ما زالت باقية على الدهر تشهر لمنشئها.
وكان للإمبراطور من إنشاء هذا القصر غرض آخر وهو أن يصبح ملجأ مجوهرات التاج وكنوزه وأشيائه المقدسة (كقطعة من عود الصليب ورأس ذاك القديس ويد ذلك وثياب ثالث، وما إلى غير ذلك مما كان شارل الرابع يؤمن به إيمانًا كليًا ويخلص في التعبد له) ويقال إن للقصر موقعًا استراتيجيًا ممتازًا.
شارل الرابع كان يشرف بذاته على تصاميم القصر وعلى تنفيذها. وكانت له محبة خاصة لهذا المكان.
القصر من بعيد
في مكان شاهق فوق الطريق العام وبنجوة منه قصر شاهق مشرق هو قصر كارلستين. يرى تصويره قاعدًا كالنسر عند صخرة عاتية، فوق رابية خضراء.
في الجو تتزاحم الغربان على الأبراج وبخاصة على البرج الأكبر الذي في الوسط. ولكنها ليست غربان صوتها كصوت طيور البحر تمامًا على أنها سوداء.
وتأخذك الدهشة عندما تنظر إلى القصر للشبه المرهق الذي بينه وبين قصر الملك المجنون في بفاريا من أعمال ألمانيا. إنه في حرج وفي طريق متعرج، يعلو بيوتًا تشبه القرية وتحت القرية نهر. الفارق الأكبر بين القصرين أن قصر الملك المجنون يسمع منه هدير الشلالات. وهذا لا.
أول اتصال مع القصر
المسافة التي تباعد بين الطريق العام والقصر لا تزيد على الخمسمئة متر طيرة عصفور. غير أن دون الوصول إليه عن طريق السيارات أربعة او خمسة كيلومترات في مسلك لولبية متعرجة على سفح التل. ثم وقفنا على ما لا يقل عن خمسمئة مترًا من مدخله فاجتزنا الطريق إليه مشيًا على الأقدام حتى وصلنا إلى بابه الأول فأصبحنا في حرم القصر. وبعد ما يقارب المئة مترًا من طريق ضيقة وصلنا إلى باب ثان فطلعت علينا ساحة صغيرة جمعت على أرضها البنوك. بنوك زرقاء دون مساند للظهر، مرقمة. كل بنك بحرف من الحروف المسلسلة وكل مقعد على البنك برقم من الأرقام المتسلسلة. بنوك تملأ الدار من الضفة إلى الضفة. قبالة البنوك منبران واحد يصعد إليه بدرج (وهو كمنابر الكنائس) وآخر عريض كالمسرح. في الأول كلام وفي الثاني موسيقى. وقد يكون منبر الكلام ليس للكلام بل لقائد الجوقة.
قاعة الفرسان
وندخل من باب ثالث قبالة البنوك، خلف المنبرين فإذا نحن في قاعة طولها سبعون مترًا وعرضها أربعون شقفها خشب وأعمدتها خشب. (وهي في نصف الغرفة) كانت تلجأ الفرسان مرافقي الملك وحماة القصر. وفي هذه القاعة مدفأة كبيرة من حجر.
شقة الملك
ثم نسلك سلالم ضيقة عالية الدرجات حتى نصل إلى الغرفة التي كان ينام فيها الملك. وقد أعيدت إلى أصلها الأول. المكان الذي يلجئ التخت يعلو درجة عن سطح الغرفة. الشبابيك تطل على الوادي. في وجه هذه الشبابيك ربوة أكثر علوًا من القصر. لكنها مشجرة خضراء. وتحتها قرية تحلم. سقفها خشب. فيها مدفأة سالمة حتى الآن.
في جنب غرفة النوم غرفة المكتب والاستقبال معًا. ينشق منها شباكان على الوادي حيث القرية الحالمة والنهر الهادر.
في هذه الغرفة نسخ من تماثيل لنساء شارل الرابع الأربع.
كابيلة العذراء
في البرج الذي فيه كنيسة العذراء أودعت مجوهرات التاج ومقدساته. ولكن في كنيسة غير هذه من البرج نفسه كابيلة العذراء هذه كنيسة عادية تتميز بالتصاوير اللاصقة بجدرانها...
هذه الكابيلا على النسق الإغريقي جدرانها مرصعة بحجارة كريمة سقفها مذهب .
من وراء المذبح صورة للعذراء وليسوع محني على الأمير شارل وعلى زوجته يباركهما.
يقال إن الإمبراطور كان يقضي في هذه الكابيلا ثلاثة أيام بلياليها وبدون ما انقطاع للتأمل والصلاة. وكان يمنع على مرافقيه ان يقطعوا خلوته...
يقال إنه نظرًا لوجود هذه الكنيسة في القصر كان يمنع على الأزواج أن يجتمعا فيه. وفي يوم اشتبهت زوجة الإمبراطور الرابعة إليزابيت وكانت ذات شهرة بالقوة والتصلب والسيطرة من زوجها الملكي بتصرف الملك هذا فتنكرت في ثياب الخدم ودخات عليه في مخدعه...
كابيلة الصليب المقدس
رائعة القصر وتحفته الفريدة.
من ممر خشبي مطل بين الكنيستين (كنيسة العذراء وكنيسة الصليب المقدس) وفي حماية البرج ذاته ننتقل إلى كنيسة الصليب المقدس. وهي بناء قوتي لا تقع العين على أبهى منه ولا على أروع.
صغيرة الحجم (عشرة أمتار طولاً بسبعة عرضًا ) تكاد تكون مربعة تطلو جدرانها الأربعة حجارة كريمة مغموسة بالذهب...
سقفها كله من الذهب الخالص. تتمثل فيه السماء مرصعة بنجومها وتظهر الشمس والقمر بأحجام ملحوظة .
هنا أيضًا يطلع النور من شباكين متقابلين سماكة الواحد منهما ثلاثة أمتار. أما الشباك الثالث فهو قبالة المذبح وقد شعر بزجاج ملون. وفتحت فيه طاقة .
ذلك أن الصلاة في هذه الكنيسة محصورة بالملك وأهله ومستشاريه. أما الباقون فيستطيعون فقط أن يستمعوا لصلاة القداس من هذه الطاقة .
يبقى أن المذبح وتعلوه صورة بشكل أيقونة، مفصول عن صحن الكنيسة بحاجز من حديد مذهب.
أبناء براغ يحمدون الله أن هولاكو لم يحمل الفتح إلى أرضهم. والإنسانية جمعاء تشاركهم هذا الحمد.
ضد الرحمة
إقامتي في براغ التي أطلتها عن عمد (سأعود إليهافي كل ظرف) علمتني أن الأوطان تبنى على الحق لا على الرحمة. نساؤنا ينصرفن في جميع أعمالهن، إلا أقلها، إلى الاستئجار بالرحمة: مأوى العجز، المستشفيات، المستوصفات المدارس المجانية، الاخويات، العناية بالطفل، العناية بالعميان والخرس والبكم... نساؤنا هؤلاء كان من الأفضل والزمن يدور أن ينصرفن إلى العناية بالسياحة وبالفنون . غنه لمن الأفضل أن تهتم النساء بعد اليوم بنظافة المدينة ونظافة المواطنين، بأدب الشرطي والسائق، بتزهير الطرقات والشوارع بتزيين الواجهات والشرفات، بالمحافظة على الأبنية الاثرية، بتشجيع الفنون بإخراج نتاجها إلى الشارع تصاويرًا وتماثيلاً وأنصابًا، بحق العمل والمراة والمحروم ... وبكل ما تدفع إليه الرحمة ليعلو الحق.
في كل يوم لنا أمثولة جديدة. هذه هي الأمثولة التي تعلمت اليوم.