الدور التشريعي الثالث عشر
العقد العادي الثاني سنة 1972
محضر الجلسة الثانية
المنعقدة في الساعة الحادية عشرة والربع من قبل ظهر يوم الخميس الواقع
في الثاني من تشرين الثاني 1972.
الرئيس ـ الكلمة لحضرة النائب الاستاذ ادوار حنين.
ادوار حنين ـ حضرة الرئيس، حضرة الزملاء المحترمين،
لا يهمني استقالة ادوار حنين ولا تهمني اقالة هنري اده ولا يهمني أن بقيت الحكومة في مقاعدها أو جلت عنها، بمقدار ما يهمني أن أعرف سياسة الحكومة التربوية، هذه السياسة اذا كانت موجودة ما هي؟ وان لم تكن موجودة ماذا ستفعل الحكومة؟ اذ سأتقيد بمضمون استجوابي ولن أزيد عليه حرفاً. أوليفييه كيشار العالم في شؤون التعليم والتربية، ومن أبرز اساطين العالم اليوم في هذا الصدد يقول: الاصلاح التربوي اصبح اليوم مرادفاً للثورة التربوية. من أين نشأت هذه الحالة؟ نشأت من أن انسان اليوم الذي يهيأ لانسان الغد هو غير الانسان الذي عبر المستقبليون الذين صرفوا جهدهم كلهم في استقراء ما يجب أن يكون لمستقبل الانسانية، في كتبهم الشهيرة المستندة لا الى تخيلات، وانما الى نتائج دراسات في المؤسسات المختصة Instituts وهي تعد بالالاف في مختلف أنحاء العالم المستقبليون هؤلاء وبصورة خاصة في مؤلفاتهم:
Le Doyer pour l’Avenir
Le Matin de Magiciens
Le Choc du future
L’An de Mille
وعشرات منها كان لنا الحظ أن قرأناها. هؤلاء يقولون ان الفرق بين انسان الامس، وانسان اليوم، وانسان الغد، ناتجة عن ان الانسانية منذ نشأتها الاولى الى السنة 1900، أوائل القرن العشرين قد مشت نضف شوطها، والنصف الآخر مشته هذه الانسانية في أوائل القرن العشرين حتى يومنا هذا. هذه الفرق، اذا بين انسان الغد وانسان اليوم ناتجة عن هذه السرعة الهائلة التي تابع فيها لعالم والانسانية والبشرية مسيرتها منذ سنة 1900 حتى هذه الايام فماذا حصل من جراء هذا؟ حصل من جراء هذه السرعة، ان زادت حاجات الانسان، وحصل انه صار يبدو ان المتقدم بطيء أو المتوقف عن السير كأنه يتأخر، وظهر هذا بصورة خاصة في الشؤون الحساسة، وأكثر الشؤون حساسية في العالم هي الشؤون التربوية. تأملوا معي اننا نحن، يعني ابناء جيلي يحاولون أن يعالجوا قضايا التربية التي أوصلتها الحضارة الى الاوج، يحاول ابناء جيلي وهم الذين ولدوا على أيام الطنبر، يحاولون أن يعالجوا قضايا في أيام الصاروخ وهي التالية في سرعة الصاروخ. من هنا يجب أن نتمهل قليلاً على بعضنا بعضا، من أجل أن نتبين الخطوط الناعمة الرقيقة، التي يمكن أن نمسك بها من أجل أن نصل بواسطتها الى بعض غاياتنا. فما العمل اذا، وقد سبقنا العصر بمثل هذا المقدار؟ يجب أن نسرع شؤوننا، يجب أن نلجأ الى عملية تسريع المسيرة، وبصورة خاصة مسيرة الشؤون التربوية. لماذا الشؤون التربوية، لأن التربية، ووزارة التربية بصورة خاصة، تعمل على الانسان الحي، مادة عملها الانسان مباشرة كما الحجر هو مادة عمل النحات مثلا، وزارة التربية في العالم جميعا هي الوزارة الوحيدة التي تعمل على الانسان، وتعمل على الانسان مباشرة، هذا العمل على الانسان يجب أن يكون بحجم الانسان ذاته، وبحساسية الانسان، الخطأ في الطريق يصلح في طريق أخرى أو في موسم آخر أو في موازنة اخرى.
اما الخطأ في صعيد الانسان، فيقتضي له اجيال من أجل أن يصلح. وزارة الاشغال تعمل على الطرقات، وزارة الزراعة تعمل على الآفات تعمل على النبات، وزارة الخارجية وزارة العدلية وزارة المالية تعمل على الملفات على القضايا. وحدها هذه الوزارة تعمل على الانسان، وحدها وتلك الوزارات تعمل ما تعمل مستوحية خدمة الانسان، ولكنها لا تعمل مباشرة على الانسان ومن هنا أهمية التربية الوطنية، واهميتها طالما هي تعمل على الانسان، انها تعمل على رأسمال الامة الأول هذا الانسان هو رأسمال الامة الاول، وتهمل في بناء الوطن لان لا بناء للوطن، الا من خلال بناء المواطن، لذلك أعطيت لها الاولوية في العالم وبذلك نحاول نحن أن نلحق بالعالم بأن نعطي الأولوية للشؤون التربوية. اعرف على أن النهضة لا تقوم الا اذا قامت من جميع أطراف البلاد، شأن النهضة شأن الاحرام، شأن اللحاف، شأن السجادة. اذا نهضت بهذا الاحرام من طرف واحد بقيت اطرافه جميعاً منطرحة على الارض، وهكذا نهضات الشعوب، ان لم ننهض بها من جميع زواياها فسيبقى القسم الاكبر منها منطرحا على الارض، ولكن اذا كانت النهضة غير ممكنة الا بالنهوض من جميع الاطراف، فلا بد من بداية هذه البداية اختير في العالم أن تكون من هنا، من الشأن التربوي ونحن على هذا الاختيار بعد الدرس والتمحيص سائرون.
فكان السؤال الاول في هذا المجال في تحضير السياسة التربوية، في تحضير التصميم التربوي، في تحضير بناء الانسان. كان السؤال الاول: أي انسان نريد ان نربي؟ لأي مجتمع، نربيه ولأي مستقبل؟ تكاثرت الاجوبة، غربلت الاجوبة صهرت وطلع منها جواب واحد: الانسا