الدور التشريعي الثالث عشر
العقد الاستثنائي الأول سنة 1974
محضر الجلسة الثانية
المنعقدة في الساعة السادسة من بعد ظهر يوم الثلاثاء الواقع في
الخامس عشر من كانون الثاني 1974.
الرئيس ـ الكلمة لحضرة النائب المحترم الأستاذ إدوار حنين.
إدوار حنين ـ دولة الرئيس، حضرة الزملاء،
قانون الايجارات الذي نناقش مشروعه اليوم ينتظره المؤجر والمستأجر وغير المؤجر والمستأجر في آن معاً. الأولان، لأنهما منتفعان والآخرون لأنهم يجدون فيه ميزان العدالة الاجتماعية كما تواجهها الحكومة والمجلس في هذا الزمن.
قانون الايجارات المعمول به في الوقت الحاضر مع بعض التعديلات الطارقة هو قانون استثنائي، استن في غضون الحرب العالمية الأخيرة لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بغية إعادة التوازن في المجتمع الذي اختل توازنه لمصلحة فئة معينة على حساب المجموع.
وهو استثنائي لأنه يحد من حق التصرف المطلق في الملكية كما يحد من القاعدة الأصلية التي تقضي باعتبار العقد شرعة المتعاقدين. مثل هذا القانون معمول به في فرنسا منذ الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 ولم يجد المشترع بعد، طريق العودة إلى القانون الأصلي الذي صار الافتراق عنه منذ ذلك التاريخ. لقد كنت أدعو دائماً للعودة إلى القانون الأصلي الذي علق العمل به منذ السنة 1943، لأن الاستثناء الذي أوجب القانون الاستثنائي قد زال، ولكنني كنت دائماً أضيف، إن قانون الايجارات الذي جعل في صلب قانون الموجبات والعقود في الثلاثينات لم يعد يصلح للسبعينيات ولما سيتقدم من سنين لأن العصر قد مشى أشواطاً عديدة بخطوات واسعة بل قفز قفزاً منذ ذلك الحين إلى اليوم. فتبدلت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتبدلت بنتيجة ذلك بنية المجتمع اللبناني.
وأضيف اليوم، أن هذا التبدل المتمادي لا يوجب حتماً الابقاء على القانون الاستثنائي بل يوجب استنان قانون للايجارات أصلي يؤخذ فيه بالاعتبار جميع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جر إليها العصر في قفز الريع، قانون يبنى على حق التصرف المطلق في الملكية فنقود فيه العقود شرعة المتعاقدين في ضوء عدالة اجتماعية صارمة يكون عدم الأخذ بها خيانة لروح العصر بمقتضياته وبمقتضيات المجتمع اللبناني.
لذلك قلت منذ أن دخلت هذا المجلس في السنة 1957 ولا أزال: ان كل قانون للايجارات لا يخطو بنا خطوات مدروسة أكيدة في طريق العودة إلى القانون الأصلي، لا يكون قانوناً بل تدبيراً إجرائياً تحت ستار القانون.
وننظر في مشروع القانون المقترح فماذا نرى، نرى أنه يكرس الاستثناء، أنه يبتعد ويبعد عن القانون الأصلي، أو على الأقل لا يقرب منه. وان خطيئة هذا المشروع الأصلية هي أنه حبل به من ساعة تلبيك وارتباك لكي لا أقول في ساعة جبن فحمل طابع التلبك والارتباك، ولم يفهم من مواده أنه قانون موقت أو هو قانون انتقالي، من الاستثنائي إلى القاعدة، لذلك لا تجدنا مع هذا القانون. وإننا لسنا مع هذا القانون لأنه ما دام قانوناً استثنائياً فسيظل الشارع هو المشترع، وان رقي، فالنقابات وجمعيات المؤجرين والمستأجرين وأصحاب المصالح وفي هذا ما فيه من مكاتب مريبة من التواء عن الغاية.
أما القانون الأصلي الذي أتخيل خطوطه الكبرى فيجب أن يقوم على مثل القواعد التالية ومن حظ هذه القواعد انها مقترنة بموافقة الأستاذ عبدو عويدات رئيس لجنة الإدارة والعدل البرلمانية.
أولاً: تصنيف الأبنية فئات فئات بالاستناد إلى مساحاتها القابلة للانتفاع.
ثانياً: تسعير المتر المربع في المأجور على أساس قيمة البناء أو قيمة البناء والأرض التي يقوم عليها في آن معاً دون أن يغيب عن بال الخبراء المكلفين وضع سلم التسعيرة، دخل الفرد المؤهل للاستئجار في كل فئة من هذه الفئات.
ثالثاً: جعل السعر المحدد متحركاً وفقاً للأوضاع الاقتصادية. ولو أن مشروع هذا القانون قضى على الأقل بإسقاط الايجارات الجارية خارج العاصمة من أحكامه لكنا اعتبرنا ذلك خطوة عملية كبرى في اتجاه القاعدة خاصة ان الاحصاءات الرسمية تقول: إن العائلات المستأجرة في الجمهورية اللبنانية جمعاء لا يزيد عددها على المائتي ألف عائلة منها مئة وخمسون ألف عائلة في بيروت. ولماذا لا؟ أو ليس القانون الاستثنائي هو كقانون الطوارىء؟ أو لس مشروع القانون المعروض علينا الآن قانون طوارىء مدنية؟ وقانون الطوارىء أفلا يطبق بحسب الحاجة إليه في انحاء من البلد ولا يطبق في غيرها على ما هي الحالة آنياً في لبنان.
أيها السادة، ما لم يلحظ النزوع إلى هذا أو إلى مثل هذا، مما من شأنه أن يطلعنا من الاستثناء وأن يدخلنا في الأصل، فسأظل أرى في كل مشروع قانون للايجارات تدبيراً استنسابياً رائداً لا قاعدة شرعية ثابتة وسأظل في الرافضين.