الدور التشريعي الثالث عشر
العقد الاستثنائي الثالث لسنة 1974
محضر الجلسة الثانية
المنعقدة في الساعة السادسة والنصف من بعد ظهر يوم الثلاثاء
الواقع في الثاني عشر من آذار سنة 1974.
الرئيس: الكلمة لحضرة النائب المحترم ادوار حنين.
ادوار حنين: دولة الرئيس، حضرة الزملاء المحترمين،
ها إنها تعود، فنعود لها بالنقد والتعليق. ونعود، على معرفتنا أن شيئاً لن يتغير، ذلك أن وزير المال اليوم غير الوزير الذي بسطنا له ملاحظاتنا على الموازنة العامة في العام السابق، ووزير المال غدا هو غير الوزير الحاضر. أما الإدارة التي تطبخ الموازنات فهي هي ولا يمسها من أمر أقوالنا شيء، ولو كان مسها شيء لبدا له أثر في واحدة من الموازنات العشرين التي حضرنا ولادتها وتناولنا بالنقد من عن هذه المنصة بنودها. لذلك أبدأ السنة من حيث انتهيت في السنة الماضية.
ليكن في وزارة المال مديريتان على الأقل، مديرية إدارية ومديرية الموازنة، تلك تعنى بكل شيء إلا الموازنة، وهذه لا تعني بشيء فيما عدا الموازنة. مديرية على نحو الذي وصفناه في العام الفائت تقوم على العلم والتخصص والسهر الدائم، وتحضر هنا مناقشات الموازنة كل عام، ومن أول كلمة حتى آخر حرف، وتخول حق الرد على المتناقشين بموجب نص يدخل في صلب النظام الداخلي. فإما أن يكون هذا وإما أن لا تكون هذه المناقشة. إذا كنا نحرص على وقتنا حكومة ومجلساً ونشفق على أعصاب هذا الشعب.
أيها الزملاء،
يقول بعض علماء المال والاقتصاد في معرض شرحهم للموازنة:
«إن الموازنة تعبير عن إرادة الأمة».
ويقول بعضهم الآخر:
«إن الموازنة بيت من زجاج، ترى من خلاله نشاطات السلطة الحاكمة».
ويقول آخرون بواقعية علمية:
«إن الموازنة بيت من زجاج، ترى من خلاله وهي تصميم لما تنوي الدولة تحقيقه في هذه الفترة».
فانطلاقاً من هذا القول:
إن ماهية الموازنة تعكس ماهية الدولة (تتراءى فيها ماهية الدولة).
وان كل تحول في مهام الدولة وأعبائها يستتبع تحولاً في كيان الموازنة.
فإذا كانت الموازنة بسيطة، محايدة، تقتصر على النفقات الضرورية لتسيير آلة الحكم، فذلك يعني، بدون ما تردد، أن الدولة ما تزال في مرحلة الدولة ـ الدركي التي لا تعنى إلا بشؤون الأمن، والعدل، والدفاع وما شابهها.
ويعني: ان موازنتها لا تزال موازنة تقليدية، أما إذا كانت الموازنة ناشطة فاعلة، متحركة، فذلك أن الدولة تهتم ـ إلى جانب الأمن، والعدل، والدفاع ـ بالشؤون الحياتية على أنواعها. ويعني: ان موازنتها أصبحت موازنة حديثة فأية موازنة هي موازنة لبنان، اليوم، هذه الموازنة.
إنها الموازنة التقليدية، الجامدة، المجمدة التي تتسم بطابع الحياد تجاه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فلا تقوم إلا على أساس التوازن المالي بين النفقات والواردات في إطار السنة الواحدة، وأنها تتجنب التأثير في الوضع الاقتصادي الاجتماعي، وتتجنب التأثر به في حالتي جباية الأموال العامة وإنفاقها.
وهذا يعني أن الموازنة اللبنانية العامة ـ كما درجت أن تكون، وكما هي معروضة علينا الآن تمتنع، وتتشبث في الامتناع، عن احداث، أو محاولة احداث، أي تغيير في الأحوال الراهنة. على أن لهذا التغيير يوماً هذا يومه. فالبلاد تضج من موجة الغلاء، الشكوى أصبحت عارمة وقد تصبح كاسحة في القريب. هذا الغلاء مكمنه في مطارح كثيرة ولكن بيت الداء، على ما صار واضحاً لأهل العلم والاختصاص، هو في بنية اقتصادنا الوطني، وفي بنية مجتمعنا الأهلي، في هيكليتهما.
فهذه البنية، وهذه الهيكلية الاقتصادية ـ الاجتماعية، لا يمكن أن نبلغ إليهما، إلى تطويرهما إلى الفعل فيهما، واحداث تفاعل بواسطتهما إلا من باب الموازنة.
فهل حاولت، هذه الموازنة، المعروضة علينا الآن، شيئاً من ذلك؟ وإن لم تفعل. فهل يمكن أن تكون موازنة لهذا العصر، لهذا الزمن، لهذا اليوم التي كثرت به الشكوى وبلغ عنان السماء الأنين؟
الحق يجب أن نرفض هذه الموازنة، أن نرفضها حتى حدود رفض الموافقة عليها لو لم يكن رفضنا لها، على هذا الشكل، رفضاً للنظام القائم، وهو نظامنا، ورفضاً للحكم، فإلى من نسلم البلاد.
أيها السادة: إن موازنة كمثل هذه الموازنة ليس أنها لا تخدم الوضع الاقتصادي الاجتماعي اللبناني فحسب، بل هي تلحق الضرر البالغ به، ففي هذه الموازنة لا يتراءى لنا ظل لسياسة اقتصادية اجتماعية ما أية كانت هذه السياسة. همها، كل همها، أن توازن بين الواردات والنفقات، ولو توازناً صورياً. اليوم مثلاً ـ على الدولة أن لا تنفق إلا في سبيل مشاريع إنمائية ـ منتجة، كمشاريع الري والطاقة الكهربائية، ومياه الشفة، فماذا نرى؟ نرى أن اعتمادات الجزء الأول من الموازنة (النفقات العادية ـ غير المنتجة) لا تزال تستأثر بحصة الأسد. في حين أن اعتمادات الجزئين الثاني والثالث (وهي نفقات التجهيز والإنماء) ما زال نصيبها فتات