الدور التشريعي الثالث عشر
العقد الاستثنائي الثالث لسنة 1975
محضر الجلسة الاولى
المنعقدة في الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم
الثلاثاء الواقع في الخامس عشر من تموز
الرئيس- الكلمة لحضرة النائب الاستاذ ادوار حنين.
ادوار حنين- حضرة الزملاء.
اول ميزة لهذه الحكومة وجودها، ذلك انها تجسد ارادة اللبنانيين في التعايش، ارادتهم في تجاوز التناقضات وقدرتهم على تجاوزها، اذ يجب الا نجهل او نتجاهل ما في الجسم اللبناني من التناقضات كما في جسم كل انسان.
قلت ان هذه الحكومة تجسد ارادة اللبنانيين في التعايش، او ليس في تجند وتجنيد شخصيات، كان يشبه، الى حين، انها لا تلتقي، فاذا هي تتغلب على ذاتها وتتحد قلبا ويدا لمواجهة الماساة خير دليل على ذلك ، فهل يبقى علينا في هذه المجلس، ونحن نمثل ما نمثل ومن نمثل، سوى ان ننصر ارادة اللبنانيين في التعايش، وان نمشي في مواكبها حتى انتصارها الاخير؟
قبل هذا البيان الذي استمعنا، الان، الى مضمونه، قبل اتخاذ تدابير الامن التي رافقت تشكيل هذه الحكومة، وقبل ان يدلي رئيسها باول تصريح بعد صدور المراسيم، كان واضحا ان الامن ازمع على العودة. بل انه عاد، ان لنا من ذلك عبرة لا لصالح الحكومة فحسب وانما لصالح لبنان ككل.
تباين المذاهب والمشارب والاراء موجود. الخلافات موجودة، وموجودة بخاصة التناقضات ولكن فوق كل ذلك، وعبر كل ذلك، هناك الارادة في الوجود المشترك في التواجد الفعلي وفي التعايش الاخوي.
اما التأرجح بين تناقضاتنا وبين رغبتنا في تجاوز تلك التناقضات وتغلب هذا على تلك، او تلك على هذا احيانا، فانها سنة الحياة، في زخمها المتدافع، وهي رسالتنا، بل نبل رسالتنا في محيطنا العربي وفي العالم اجمع.
ايها السادة،
الازمة التي اجتاحت ارضنا واكتسحت نفوسنا لا ترجع الى سبب واحد ، هناك مجموعة من الاسباب، على مريد المعرفة والخبر استقصاؤها وتسليط الانوار عليها، نشير هنا الى بعض عناصرها بعيدين عن التعقيد والاسهاب بغية الارتقاء منها الى علاج حاسم.
اولا- العنصر الاجتماعي:
بما يظهر من تفاوت بين المواطنين.
هذا العنصر لا يعالج بالكلام ولا بالاحسان بل هو يعالج بالتنمية.
لان التنمية وحدها تمكن جميع القطاعات من تشغيل اليد العاملة، ووحدها التنمية تسهم في زيادة الدخل القومي، فتعالج، في آن، الناحتين الاقتصادية والاجتماعية.
ثانيا- العنصر الطائفي:
اقولها بقلب دام وخاطر كسير: لقد بان في الحوادث الاخيرة ان الطائفية ذرت قرنها البغيض، وكشفت عن وجهها القذر، ونزلت الى الساح، فاذا هي ارهب من الارهاب كله، وشر من الشرور جميعا. بل اظلم وابشع من كل المظالم والبشاعات. هذه الطائفية لا تعالج بتجاهلها، ولا بنكرانها والتستر عليها، بل بالدواء الناجع، فللتغلب على الطائفية، في نظرنا، وسائل ثلاث:
اولى هذه الوسائل: التدرع بالدين، اذ الدين، كل دين، يسمو على الطائفية الى عالم المحبة حيث يلتقي الانسان ربه سبحانه.
يقول جاك ماريتان: الاديان السماوية كالهرم الاكبر، قواعده متباعدة، ثم ترتفع جدرانه شيئا فشيئا حتى تلتقي القمة فتحمي القواعد، تلك القمة هي الله.
ثانية هذه الوسائل: التعارف والتعاون بين مؤسسات الدولة جميعا، وفي طليعتها هذا المجلس بالذات، والحكومة، وكذلك الادارات العامة. فان هذه المؤسسات يوم تتعارف التعارف الصحيح، وتتعاون التعاون الصادق تؤمن، على افضل وجه اسهاما فعليا في تحمل المسؤوليات ومواجهة المصير: تلك هي المشاركة الحلال.
اما النظام الذي يهتم عند كل مفترق طريق، فانا من المؤمنين به لانه ادى الى تقدم محسوس ملموس في شد اواصر الالفة والاخوة بين اللبنانين. وهو الذي جعل ان تؤلف من العائلات الروحية اللبنانية العائلة اللبنانية الكبرى.
اما ثالثة هذه الوسائل: فعلمنة الدولة- علمنة الدولة لا تعني ان نبقى على ما عندنا من فوارق، ان نتجاهلها، محاولين عبر هذه العلمنة الزائفة الخاطئة ان ننتزع من بعضنا بعضا بعض الحقوق والوظائف والصلاحيات والامتيازات بطرق لا تؤدي الا الى تعزيز الطائفية بالذات.
علمنة الدولة هي توحيد التشريع الساري المفعول على جميع المواطنين من جميع الطوائف، بايجاد شريعة مدنية لما نسميه الاحوال الشخصية حتى الارث والوصية والزواج، حيث من يريد ان يتزوج بحسب معتقده الديني، له الحرية في ذلك، ولكنه يكون قد اختار. وذا ما اختار يكون اختياره عن ايمان لا عن اكراه واضطرار.
هذا ما يفهمه العالم بعلمنة الدولة، وبديهي انه لا يمكن ان نتنكر للحقائق العالمية دون ان نقع في عالم المغالطات فتزيد مغالطتنا واحدة.
اما اذا رد باننا لم نبلغ بعد، درجة من النضج تؤهلنا لهذا الدور من العلمنة فكيف نطمح، اذا، الى الغاء الطائفية، على ان الالغاء غاية، اما العلمنة فوسيلة، والوسيلة هي الامل.
من هذا المنطق تعالوا نتحاور