¬من المسؤولين من يرى الحكم قوة تضاف إلى علمه فيحالف قوة الحكم وينتحلها لنفسه ويطرحها مع القليل الذي له في شارع أرعن بين جماعة رعناء تسيّر من دونه الامور فيسير في ركابها بعد حين.
دينها دين لا دين له ولا رب شرعه هو لنفسه يقوم على الاستفادة والكسب
يعيش من الفوضى وعدم الانتظام ويحيا على رائحة النتن والبارودز
من المسؤولين من يجرد نظرية الحكم عن كل مستند فلسفي واجتماعي تقدمي ومن يباعد بينها وبين الخير فيجعل الحكم حربًا على من ليسوا منه وفيه ويجعل الحكم رزقًا لانصاره.
إرادة الحاكم تعلي وتميت وموالاة إرادة الحاكم تغني وتعز.
فتصبح الدولة حظيرة للمرتزقة المنافقين.
ووظائف الدولة شهادات تمنح للمبوقين الحادين
وخيرات السرايات هبات للمسبحين الدجالين.
ومن المسؤولين من يرى في الأخلاقيين المصلحين وفي الأخيار العقائديين مناوئين لحكمهم ومعادين فكلهم في رأي هؤلاء بوم تنعق وغربان تنوح وإنهم في غير زمانهم يعيشون ولغير خيرهم يعملون وفي المستحيلات يتخبطون ويهيمون.
ومن المسؤولين من يفصل بين السياسة وضميرها وبين التسوس وخيره وبين الغنسان وحقه وبين الرعية وخادمها
ومن يرى في الناس ازلامًا لشطرنج ومصدرًا لدرهم وأشياءبدونها لا يدوم حكم لحاكم.
فلا يعترف للناس بحق ولا ترعى لهم ذمة ولا يبقى لملهاتهم على امل او خيال امل فتحشد هند ذاك القوى لتدعم عرش خائر وتصبيج هيكل يتداعىز
ومن المسؤولين من هو كالدهر على الناس فما ترك لهم فضة إلا فضّها ولا ذهبًا إلا ذهب به ولا علفًا إلا علفه ولا عقارًا إلا عقره ولا ضيعة إلا أضاعها ولا مالاً إلى مال إليه ولا حالاً إلا حال عليه، ولا فرسًا إلا افترسه، ولا سبغًا إلا استبد به، ولا لبدًا إلا لبد فيه، ولا بزّة إلا بزّها، ولا عارية إلا ارتجعها، ولا وديعة إلا انتزعها، ولا خلعة إلا خلعها (بديع الزمان)
إلى هنا ينتهي السؤال فتبدأ الشهادة وهنا يشهد من يستطيع
أما أنا فلا أريد ان أسخط الله وأمنع أجره.
إلتقيت يومًا موظفًا غير مسؤول على الغالب بمجرد انه طليق فراح يحدثني حديث العفة والنزاهة بمثل هذا فقال:
"شر العيوب السرقة. يسرق المرء إذا شاء ملك نفسه كأن يأكل أب في السر مأكلاً اعد لأولاده من ماله.
سرقة أن يأخذ المرء أشياء غيره بإذنه إن لم يكن هو بحاجة فعلية لهذه الأشياء. إذ يحذّر علينا اقتناء ما لسنا بحاجة إليه.
فإذا أكلت فوق طاقتي فقد تجنيت وسرقت.
واستطرد فقال: "كثيرًا ما يغيب عن المرء مدى حاجته وكثيرًا ما تلتبس حقيقتها عليه فيبالغ بعضنا في حاجاته بدون ما مبرر فيركب المعصية من حيث لا يدري. ويسرق على غفلة وعدم احتراز.
بل أكثر من ذلك، اشتهاء مال الغير سرقة.
وسرقة التفكير في اقتناء شيء مقدم فمثل هذا الهاجس.
مصدر لسرقات جمة.
ذلك أن نقف في الحاضر عند حد الاشتهاء فلا نلبث أن نعمد غدًا إلى تدابير مشروعة إذا امكن، غير مشروعة إذا لزم الأمر بغية امتلاك ما وقع الاشتهاء عليه.
وعندي ليس من شك في ان صائم الدهر هذا سعادة الموظف غير المسؤول أراد من حديث العفة أن يسرق من حسن ظني ما لم تقع عليه يد سارق من قبل.
وقد بلغ حرص سعادة الموظف غير المسؤول على دخله حدًا أشاد معه من مرتبه الضئيل ثروة يذهب في تعليل وجودها بين يديه إلى فضل ربه.
هنيئًا مريئًا كل ما تأكل وتشرب
فليس هذا أول عهد الناس لأمثالك وأول عهد أمثالك للناس.
فإن لأسرة الوظيفة سيرة تمعن بعيدًا في التاريخ أراها دائمة الميلاد تكاد لا تطوى حتى تعود فتنتشر
اكتفي للتدليل عليها بمواقف لعمر بن الخطاب تبدت لنا أيام حكمه:
وكان أول ألفت عمر إلى شذوذ موظفيه أنه بينما كان يتجول على عادته في أحياء المدينة رأى بناء يتشامخ فسأل عن صاحب هذا البناء فأجيب إنه لأحد عماله فلان
فقال: "أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقه"
وراح يتربص في عماله يراقب، يزجر ويحاسب.
فإليكم مثلاً رسالة وجهها إلى عبد الله أبي موسى الأشعري يقول:
"لقد بلغ أمير المؤمنين أن خشت لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمثلمين مثلها. فإياك يا عبد الله أن تكون كالبهيمة همها في الثمن والثمن حتفها. واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيته وأشقى الناس من يشقى به الناس والسلام.
بيد انها سيرة كانت لا تقف عند هذا الحد من المشاهدة والمعاينة بل تذهب إلى أبعد فلا تهدأ إلا بعد حساب.
فمن أخبار العرب ما دامت أخبار العرب طريق التفاهم بين بعضنا وبين بعضنا الآخر.
إن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص يقول "سلام عليك فإنه بلغني أنه فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيدًا وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك. فاكتب إلي من أين أصل هذا المال"
فأجاب