سيداتي سادتي
لا كما المسك في الختام. بل كلقمة الزيتون بها يختم على الطيبات. حتى بعد الحلوى، تجد حبة الزيتون لها مكاناً. وقد أكد لي ذلك جبلي وبيروتي، من أكابر أبناء الجبل وبيروت. وكنت احسبني وأهلي، وحدنا، معودين هذا.
ولأني في ختام المتكلمين، وفي قيرتي، أستميح نادي الغدير عذراً ان أنا شكرت باسمه، وبإسم أبناء برج البراجنة، جميع الذين تقدموني على هذا المنبر المستجد فاقتتعوا من وقتهم وقتاً ثميناُ ليطعموا من قلبهم وروحهم جماعة طالما أطعمت الناس من قلبها وروحها فزاد ما فيهما ولم ينقص.
وللمناسبة أتوجه لنادي الغدير بنداء أخوي حار وهو أن يستمر، قدماً في طريقه حتى يعرف أن في برج البراجنة صناعة للكلام (وما أحلاها) كما في بيت شباب صناعة للأجراس، في الذوق صناعة للنسيج، في جزّين للسكاكين، في معدوشا للفخار، في الفاكهة للسجاد، وفي زحلة للعرق، ذاكرين أبدا، ان العتبة نصف الطريق (وقد اجتزتموها) وان الطريق طويل.
عراقة الحكم الجمهوري
نحن والجمهورية اثنان في لبنان. فعلى ان اللبنانين من أعرق شعوب الأرض في الحكم الجمهوري، اذ رعوا الجمهورية، منذ عهد الفينيقيين الأول، على أرض مدائنهم: طرابلس، بيروت، صيدون، وصور، فعلى أرض قرطاجة، وفي الزمن الأخير على أرض الامارة، والمتصرفية، ثم في ظل الإنتداب، والإستقلال.
حتى كان منهم من ناد في الجمهورة أداة حكم لهم، منذ ما يزيد على 113 عاماً أبان ثورة طانيوس شاهين الملتهبة. هذه الجمهورية الحديثة نحن واياها إثنان في لبنان. على أنها الأصلح ما يكون لنا بين الأنظمة والمعروفة جميعاً. فمنذ أن نشأت في ربوعنا أول عهد الإنتداب، راحت تمنى بإمتهان الدستور، تعليقاً، وتعديلاً وإفتئات، بحيث كنا نكيّف الجمهورية على قدنا فلا نحاول أن نصبح، نحن، على قد الجمهورية.
ثم أخذت تنتابها موجات فتتسلط عليها، حيناً، قوى من خارج النظام، وتقوى عليها، أحياناً، أجهزة من قلبها فتهزل حتى الأمحاء.
وكثيراً ما أصيبت جمهوريتنا الناشأة أيام الإنتخابات خاصة، بالتلاعب والتزوير والضغط والإرهاب. فبالتجاوزات على أنواعها، بعد ذلك.
الأموجات التب انتابت الجمهورية اللبنانية لم تستطع، في يوم، أن تدك ركائزها. ذلك بفضل أصالة الجمهورية في الروح اللبنانية وقد مهرت بها منذ أقدم العصور.
ولم تستطيع ذلك أي عاهة مهما تفاحل شرّها.
غير أن واحدة لازمت الجمهورية اللبنانية، لخمسين سنة خلت، عند أول نشأتها في الزمن الحاضر، هي أكثر ما يخشى منها عليها.
هذه العاهة هي موضوع حديثنا الليلة في طريقنا "نحو الجمهورية".
واني لأرجو ان ينبري لها على طرح الصوت، جماعات من اصل الأصليين وأرسخ الراسخين بالفضل – ومن يدري فقد يكون بعضهم بيننا الآن – فيسلخ هذه العاهة من جمهوريتهم. ثم يغسلوها من العيوب التي بدونها تتكامل عافيتها ويتألف لبنان.
طموح لبنان
أخواني
ما كان الطموح يوماً، بحجم أصحابه
فقد تطمح أمة الى ما يزيد على حجم أرضها وعدد أبنائها. ولبنان، هذا الصغير الكبير في الأرض، لا حد لطموحه في متاهات الحق والخير والجمال.
وأنه ليطمح بوثمة من جميع أبنائه المقيمين منهم في أي من بقاعه، والمغتربين تحت كل سماء. وهو يطمح في رعاية الله، سبحانه، وقد جعله على خير طريق .
... غداً يتكامل بين أيدينا بناء لبنان. "وان غداً لناظره قريب"
وحدة العالم
في هذا العالم الدائخ في سرعة، الصاعد أبداً ولا يتوقف، الذي فلق الذرة وشك أعلامه في القمر، كان يجدر ظان نتطلع الى المستقبل، فعلى أني فعلت ذلك، منذ خمس سنين، في محاضرة موضوعها "لبنان الغد"، اعود، اليوم، فأتطلع الى ماض لنا قريب، علّنا نرجع فنلمح النور الذي على هديه كانت مسيرة اللبنانيين، منذ ستت آلاف سنة، وبخاصة مسيرتهم في الألف الأخير.
في هذا العالم المتزايد عدد أبنائه بنسبة 2 ونصف % كل عام، والمتزايدة الهجرة الى مدائنه بنسبة 10%، في الأونة الاخيرة، والذي لا تتزايد أرضه بمثل هذه النسبة، ولا انتاجه، بل تتزايد مطالب أبنائه وحاجاتهم 100%، وينشدون العدالة في توزيع خيرات الأرض، كان يجب أن ننظر الى حالنا الحياتية لا الى تاريخنا الكياني... لو كان ممكناً ان نعيش يومنا على غير ما أعد لنا أمسنا، وما يعد به المستقبل.
في هذا العالم الذي يهد الحواجز بين الدول في القالرة الواحدة، ثم يهدها بين القارات جميعاً، بغية الوصول الى وحدة عالمية ينظر فيها الى الإنسان في حاضره وتوقه ومراميه، تحقيقاً لإنسانيته الفضلى، وإمتلاكاً لكرامته، يطيب لنا أن نعلن: أننا نهيء أنفسنا للسير في الوحدانية. ولكننا لن نسعى اليها الا بعد أن يثبت لنا أن الحدود بين البلدان والشعوب قد انهارت نهائياً ليقوم مكانها العالم الواحد الأحد اسعاداً لإنسانه.
ومن الآن