الاتحاد الماروني المكسيكي دعا إلى مؤتمر سمي المؤتمر الماروني العالمي الأول عقد في مكسيكو عاصمة المكسيك من 23 إلى 28 شباط سنة 1979 يهدف إلى درس أوضاع العائلة المارونية في لبنان المقيم وفي لبنان المنتشر توصلاً إلى إحياء التراث الديني والوطني بحيث يبرز المارونية كقيمة روحية وفكرية وكحقيقة تاريخية وشخصية وهوية متفردتين للبلوغ إلى مجابهة العوامل الظرفية الداخلية التي تتهددها.
وكان في المحاضرين المطران رولان أبو جودة والمطران عبدو خليفة والاب يوسف محفوظ والخوري انطوان حميد موراني والسفير إدوار غرة والمحامي شاكر أبو سليمان والمحامي موسى برنس والدكتور إميل جعجع والدكتور ألفريدو خليفة رحمة والنائب إدوار حنين.
وفيما يلي المحاضرة التي ألقاهاه الأستاذ حنين بعنوان دور الموارنة في بناء لبنان" نأخذها من منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام.
"سيداتي سادتي،
من البعيد البعيد،
من الجبل العنيد الشهيد لبنان،
قدمت في هذا المؤتمر الماروني العالمي الاول لأتحدث إليكم بموضوع الموارنة الذي طرحتموه علي.
إثنتان لا ثالثة لهما في البداية.
أولهما تحية من هناك، أبناء لبنان، إلى هنا أبناء المكسيك.
هذا البلد النبيل العصي، الطيب، الذي كان أول من طنّت له كف على أذن العالم ليسمع، فانبرى رئيسه بأبهة الحق يطالب للبنان بحقه، وانتفض الشعب المكسيكي يجاري في المطالبة رئيسه وهذا البلد المضياف الذي أفسح للبنانيين الموارنة المنتشرين في كافة أنحاء العالم، أن يعقدوا مؤتمرهم العالمي الأول.
أما ثانية الكلمتين، فهي التي تفرض ذاتها في مستهل هذا الكلام وفاء وإخلاصًا للحقيقة وللحق، وهي أني قد حرصت تهيبًا أمام المسؤولية الأدبية الكبرى أن أشرك معي في وضع هذه الرسالة إليكم ثلّة من أساطين كتابة التاريخ:
جواد بولس،
فؤاد افرام البستاني،
يوسف ابراهيم يزبك،
الأب بطرس ضو،
الأب بولس نعمان،
من أجل أن أقدم لكم قولاً صادرًا عن فكر لبنان مجتمعًا، عن قلبه، ويحمل كيانه.
كما قد حرصت على أن اوازن وأمازج بين قول وقول بحيث بات من الصعب ان يعرف قائله أو نفس القائل حتى لكأن المارونية نفسها تتكلم ولبنان بالذات يردد ويعيد.
سيداتي سادتي،
لبنان قام على حلفين: حلف بين الجبل والبحر نتجت عنه فينيقيا. وثان بين قبائله والجراجمة فنتج عنه المردة.
في البدء كان لبنان صخرة كأداء، جبل اللبان الأبيض، كان، ملعب النمور والنسائم.
وكان أهله من بني أمور وكنعان يسكنون الشواهق ويتطلعون فوق وادي قنوبين، من فم الميزاب والقرنة السوداء حيث متكأ الغيوم نحو الافق البعيد. الذي لم يلبثوا أن فتقوا جدرانه وخرقوا سره على زوارق من جذوع الأرز.
موارنة لبنان هؤلاء، موارنة الغد، ما هي حكايتهم؟
حكاية شعب مشى على اليم، فطرد الجن من مياهه، ابتكر الأبجدية على شطآنه، كافح الجهل، وابتنى أول بيت من حجر، فمكّن للحضارة أن تكون وزرع أول حبة قمح، فأنعش الإنسان بذلك.
حكاية قلة من الشعوب احتموا في بطون الأودية ليحموا فيها معهم حريتهم وعنفوانهم واستقلالهم.
وحكاية قلة من الشعوب اجتازت بخطى العمالق المسافات الدهرية التي ما بين البهيمية والجاهلية والتمدن.
إن طريقنا اليوم معكم ليست على هذا المنعطف من التاريخ.
إن هي على منعطف آخر أكثر حداثة وأكثر التصاقًا بنا في الحاضر الذي نعيش.
ذلك ان طريقنا تبدأ اليوم بالموارنة وقد نعرج فيها على من قبلهم قليلاً.
الراهب مارون، حوالي السنة 400، أنشأ رهبانية انتشرت في سوريا ولبنان واعتنقت ضمن المسيحية مذهبًا سمي باسمه.
المبشرون بالمارونية وحدهم أول الامر قدموا من سوريا إلى لبنان.
أما الموارنة الذين انقادوا إلى أولئك المبشرين فجلّهم إن لم يكن كلهم، جاؤوا من الشعب الذي عاش على الأرض اللبنانية آلاف السنين قبل مولد مارون.
وفي القرون 4 و5 و6 بعد المسيح تحول الشعب اللبناني هذا من الوثنية إلى المسيحية على يد رهبان مار مارون فدعي الشعب الماروني.
فالمارونية والحالة هذه تسمية دينية مذهبية لا تسمية إثنية.
ولقد كان رأي التاريخ في ذلك.
والناسك ابراهيم القورشي الذي قدم من شمال سوريا إلى شمال لبنان فعمد إلى تبشير منطقة أفقا والعاقورة وجبة المنيطرة التي كانت تشمل الجرود اللبنانية من بسكنتا جنوبًا حتى تنورين شمالاً ومن مرمى الثلج إلى فقش الموج باستثناء المدن الساحلية الكبرى وبخاصة جبيل والبترون التي كانت قد تلقت المسيحية من عهد الرسل.
أما جبة بشري ووادي قاديشا من تنورين إلى إهدن فقد قام بتبشيرها في النصف الأول من القرن الخامس