يا صاحب الغبطة
لنا عليكم مثل الحق الذي لكم علينا.
لأننا قبلنا بكم أبًا روحيًا، وقبلتم بنا أبناء روحيين.
ولولا ذلك لما كان بيننا مجال لعتب،
أو كان موضوع لهذا الكلام الذي نسوقه إليكم صريحًا على ما عوّدتمونا
وعلى ما نعرف نحن من ضروب الصراحة التي إن آذت المودة، إلى حين، فهي تريح الضمير في كل حين وحين.
هذا. وقد يقولون السياسة التي ظن أنها أملت عليكم مواقفكم إلى الآن، هي التي تملي علينا موقفنا الآن.
حتى إذا صح ذلك فلن يصح قط أن مصلحة رجل، أيًا كان، أو مصلحة مقام، مهما علا، ارتفع خصومة وصداقة مهما قست الخصومة ورقّت الصداقة، تستطيع كلها أن تحتل في مراتب اهتمامنا من سلّم القيم مرتبة فوق التي جعلنا فيها لبنان.
هذا الدائم الخالد، معبودنا بعد الله، وحبيبنا قبل أولادنا.
يا صاحب الغبطة؛
يوم رفعتم إلى السدة البطريركية خلفًا لعظمائنا مار يوحنا مارون والعمشيتي وحجولا والرزي والعاقوري والدويهي والتيان وحبيش، والخازن ومسعد، والحاج والحويك وعريضة ، ترفّعنا لنقول:
كان لكم المقام وكانت لنا الغبطة.
عندما تذرّع بعض أحبائنا بالمجمع اللبناني لإظهار عدم ارتياحهم إليكم تذرّعنا، نحن، بقانون الطاعة" لنعتذر عن عدم ارتياحنا إليهم.
وعندما شكّوا بالصدّيق() وصدقه، شككنا، نحن، بصداقتهم وصدقهم.
وعندما قالوا: "لا تسند البطريركية المارونية إلى من ليس له في تاريخها كتاب"، قلنا: "إن من أسندت إليه البطريركية المارونية يعي تاريخها في صدره، ويستعيده كأنه يقرأ في كتاب..."
ثم ركبنا المركب الوعر، وراءكم، في موكب الواجب، موقنين أن الزمن ، وحده، ينصف الصديق من الصديق، ويريح قلوبنا التي حمّلناه، يومذاك – وانتم بذلك أدرى – أكثر مما كانت تطيق، وتحتمل.
... وهببنا نستحث الزمن، لئلا تدركنا حجة الشامتين قبل أن تدركهم حجة الأيام، عيوننا مع أصدقائنا وقلوبنا معكم، حتى قيل: "إنكم أنقصتم من وقار المقام يوم أنقصتم من لحية بطريركهم بعض شعور، ومن جلال طلعته بعض الجلال، ومن أرجوان ثوبه بعض الأرجوان، ويوم بالغتم في إكرام زواركم، ضمًّا وتقبيلاً وتربيت أكتاف"
فرددنا:
"إن إلهنا إله بساطة واتضاع،
ولد بمزود،
صاحب الفقراء والبؤساء،
أجلس الصبية والأطفال على ركبتيه،
ولم يخضّب ثيابه بالأرجوان،
وإن الحقيقة المفرّعة السافرة خير من الحقيقة المحجّبة.
وإن بطريركًا من الناس للناس يفضل آخر من أنصاف الآلهة منقطعًا للإله وحده."
ثم رحنا نصبر على الزمن،
فكان أن بدأتم تؤثرون في مواعظكم وخطبكم الاستشهاد بالشعر وبالكلام المأثور على الإستشهاد بالحكمة المنزلة وبكلام الاناجيل، حتى قيل:"إنكم تجهلون، أو تتجاهلون، ما من أجله جئتم. وشبّه للناس أنكم لا تحملون روحية مقامكم".
فرددنا على المنتقدين:
"إن البيان حلية.
وإن حمل الرسالة على متن الأدب خير من حملها على ظهور الجمال."
ثم رحنا ننتظر، حتى سقطت علينا حكمة "القومية العربية البيضاء"... البيضاء من كل زور"
فأسقط في أيدينا
ووجدنا انفسنا، وإياكم، على مفترق يباعد بينكم وبيننا إن سلكناه.
فقعدنا على قارعة الطريق، موجعين، نرتقب أن تعودوا،
ان تعودوا لتأخذوا بأيدينا،
ولتستمر بنا الطريق، وراءكم، في المركب الوعر الذي ركبناه.
وما زلنا ننتظر
ننتظر عودة الأب إلى أبنائه الذين اكتأبوا لاغترابه عنهم،
وفيما كنا ننتظر إذا من آخر الأرض، من القطب المقابل للقطب الذي تسمرنا فيه، إذا من آخر الأرض صوت يقول: "ترحلون أو تموتون... أو تقبعون في مطارحكم غبارًا على قشرة الأرض، وغرباء في بيوتكم."
بدلاً من أن يقول – وكان قد أخذ منا التعب كل مأخذ -:
"تعالوا إليّ أيها المتعبون والمثقلون وأنا أريحكم
تعالوا إلي ففي بيت أبي منازل كثيرة
تعالوا إلي فإن الذي أوجد عصافير السما أوج لها ما يقيتها... وهو لا يذهل من دبيب النمل... ولا يغمض عينه عن إنسان واحد".
يا صاحب الغبطة
إنكم على عرش رجل كان ناسكًا فردًا في صومعة صغيرة فصار مائة مائة راهب في أديار كثيرة.
وكان واحدًا فصار ألف ألف واحد
إنكم وريث مجد البطاركة الأفذاذ الذين تناقلوا الشعلة كبيرًا عن كابر، ومشوا بها في طليعة الطلائع، فقضوا أبطالاً، لتستمر الشعلة.
إنكم رمز شعب نفر من الذل والاضطهاد إلى هذه الجبال العاتية الشمّاء، فاعتصم بها منذ ألف وأربعمائة سنة، يدل على جبابرة الأرض، فهدد الدولة الاموية على مرتين، زمن معاوية في السنة 666 وزمن عبد الملك في السنة 685، وأشعل الثورة على العباسيين في السنة 759.
وكان له من أبنائه ثلاثون ألف نبّال يزرعون ا