سيدي صاحب الفخامة
ما لم تر العين لن يوجع القلب.
الكارثة أكبر من أن يعيها العقل بالأخبار.
والمخبرون، حرصًا منهم على ألا يدب الرعب في أعراق الرعية، لزموا حدود الاعتدال.
بيد أن هذا لا يقلل شيئًا من فداحة النكبة.
ليست الوفيات – على أن حياة إنسان واحد لا يعدلها عند الله شيء من ثروة الأرض – أفدح ما في هذه الكارثة.
ولا هو المرض والجوع.
إن هي قوى، من بابها إلى محرابها، لم تعد تصلح لإيواء اللبنانيين:
بيوتها رمم، متاعها حطم، شوارعها كوم.
حتى ليحار القروي المنكوب في أين يبدأ:
أبدفن موتاه؟!
أبمداواة مرضاه؟!
أم بتعمير بيته؟!
وهل يبدأ بتقرير البقاء في قريته؟! أم بالارتحال عنها؟!
لبنان، يا صاحب الفخامة، قرية تلجئ النخوة.
وما إن القرية تتهدم فلا تضعف النخوة.
وما النخوة اللبنانية في أن نبكي مع الباكين فنذرف دمعة حية ونهدأ، أو في أن نطعم الجائعين لقمة ذليلة ونستريح،
إن هي في أن نحمل بعض حمل المثقلين لنخفف، قدر المستطاع، مصيبة المصابين، وهي مشاركة لا تفريق، بعدها، بين مشارك ومصاب.
وليس هذا بالعمل اليسير العابر.
بل هو عمل مشقة واستمرار. يبدأ مع النكبة ولا ينتهي قبل أن تزول.
لقد شاء الله أن يجنب المدينة والسواحل الآهلة، وأغنياء المدينة والسواحل، شر هذه الزلزلة العمياء.
وشاء سبحانه، أن تكون الاكواخ فدية القصور.
فهل أقل من أن يتحمل أبناء المدينة والسواحل، وأرباب الدور والقصور، شيئًا مما حمله منهم الىخرون.
وأقل من أن يتحمل هؤلاء حملاً على ذلك إن لم تحملهم النخوة عليه؟!
لن يكون الإسعاف بطرح الصوت، وبالدعوة إلى الاجتماعات والمؤتمرات.
وإنما يجب لهذا يد عملاق بناء .
لم لا تكون يدك، يا صاحب الفخامة؟ - تأخذ على نفسها تعمير ما انهدم، وجمع ما اندثر، قبل أن يفكر صاحب البيت أن بيت بعودة عن البيت الذي تقوض وانهار، وقبل أن يهم صاحب الأرزاق أن يرزق من غير أرزاقه التي عاد إليها البوار ، وقبل أن تقفر القرية فيتبوأ عرشها البوم.
لذلك يستصرخ المخلصون، في يوم القيامة هذا، أن يصير اللجوء إلى التدابير الكلية الصاعقة:
فتعبأ جميع قوى الدولة للتعمير.
ويدفع إلى الساحة المال الاحتياطي المجمد.
ويمول نصف اعتمادات وزارة الأشغال العامة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وصولاً لغايتين:
1 – حمل الدفء مع الشوادر والأحرمة إلى الذين سقطت السقوف عن رؤوسهم، ونزعت عنهم الألحفة فأرعد البرد أجسادهم ولا يزال.
2 – إعادة بناء القرية التي ترزح تحت الخرب والدمار. والتي بدونها لا يكون لبنان.
حتى إذا عصا الأمر وامتنع، صار اقتطاع 10 بالمئة من اعتمادات وزارات الدولة جميعًا – مهما تخلخل قانون الموازنة وزاغ ميزان الإنفاق – نصرفها في شؤون التعمير.
ولتكن البداية، يا صاحب الفخامة، بما أردتم لجمعية أهل القلم من الحق في مال الدولة.
هذا، إذا ظل راسخًا في أذهان الأثرياء اللبنانيين أن قروضًا معلقة في أجياد نسائهم هي المن لدى تعداد القيم، من القرى المعلقة في جيد هذا الجبل.!!
وإذا ما ظلوا يستمرئون أن يعدوا ثرواتهم من خشب الأولى وأن لا تكون لهم يد في تقليب تراب!!