خمسمائة طفل لبناني من الذين عضتهم الحرب بنابها وجرحتهم بحرابها وكوتهم بنارها أمس الأربعاء في 8 آب ركبوا الطائرة إلى جنوب فرنسا حيث تقع مونبيلييه التي ابناءنا لأخذ المعرفة في الطيب في القانون في الفلسفة والادب في الزراعة وفي مختلف العلوم.
خمسمائة من اطفالنا الذين هم بين السابعة والثانية عشرة من سنوات عمرهم الطريد، حملتهم طائرة واحدة (بوينغ 747) إلى الشاطئ المقابل من البحر الأبيض المتوسط حيث توزعوا على خمس محافظات (هيرو، لوزار، اوت، غار، بيرينيه الشرقية) ضمتهم خمسمائة عائلة فرنسية إلى أبنائها يلعبون معًا ويرقدون ويأكلون ويشربون ويقاسمون أترابهم الفرنسيين أحراجهم وحدائقهم وملاعبهم وأنهرهم وبيسيناتهم وكنائسهم ومسارحهم وعواطف أهلهم.
خمسمائة طفل متحدرين من أصلابنا من دمائنا من قلوبنا وأكبادنا يسرحون الآن ويمرحون على أرض احبها أباؤهم وأجدادهم وأحب أباؤهم وأجدادهم أباء وأجداد الصبية التي يلاعبون بفضل التمازج التاريخي الذي حصل منذ قوم الصليبيين إلى ديارنا وهو لا يزال يحصل.
اطفال لبنان جميعهم يلزم أن يغادروا إلى حين أرضهم إلى أرض صديقة فيخرجون من جو النار إلى روضة السلام ويبعدون عن ازيز الرصاص إلى أناشيد الجمال.
أطفال لبنان جفّت الرقة في قلوبهم وقوي التوتر في اعصابهم حتى أصابها اهتزاز وكاد العنف يقضي على مفاهيم الحياة الحضارية التي منذ نشاتهم الأولى يحاول أمهاتهم وآباؤهم ان يغرسوها في أنفسهم الندية
اطفال لبنان جميعهم تمنيت لو يقيد لهم الله من ييسر لهم الانتقال ولو قليلاً من الجحيم التي فيها يعيشون إلى ظلال نعيم فيعود الفرح إلى قلوبهم والبسمة إلى شفاههم ونعود نتأكد نحن أن وراء كل إنسان كبير طفلاً صغيرًا يغفو في أعماق نفسه على ما كان يقول المغفور له الرئيس الشيخ بشير الجميل
فهبت هيلب ليبانون إلى المباشرة في هذا العمل الجبار بخطوة عملاقة بدت يوم أمس في كامل قدرتها وعافيتها وعزمها وحزمها لولا هذه الحرب لما كان آباء وأمهات هؤلاء الأطفال قبلوا أن يسلخوا أطفالهم عن صدورهم ليلقوا رؤوسهم في البعيد.
ولولا الشعب الفرنسي لما كان قدر لذلك أن يكون ولولا الهيلب ليبانون لما كان ما كان.
ثم لولا الجيش والامن العام لما كان تأمن لأطفالنا ما تأمن.
فإلى الشعب الفرنسي شكر. شعب شقيق مزقته الحروب ودكت مقومات هنائه وإلى الهيلب ليبانون التي على رأسها إبنتي امتنان المسؤولين على هؤلاء الاطفال في الخمسمائة عائلة لبنانية السعيدة.
اليوم لأن ابناءها الخمسمائة سعداء
وإلى العماد البطل ميشال عون وأركان جيشه
وإلى المدير العام للامن العام الغيور الشهم الدكتور جميل نعمه
شكر لبنان
الخميس 16 آب 1984.